الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب عمرة التنعيم

          ░6▒ (باب عُمْرَةِ التَّنْعِيمِ): بفتح الفوقية هو في الأصلِ مصدر نعَّم _بالتشديد_ ثمَّ جعل علَماً لموضعٍ من جهة المدينة على ثلاثةِ أميالٍ أو أربعة من مكة أقربُ الحلِّ إلى مكة، لكنْ قال المحبُّ الطَّبري في ((تحصيل المرام)): التَّنعيمُ من أدنى الحلِّ إلى مكَّةَ بقليلٍ، وليس بطرق الحلِّ بل بينهما نحو ميلٍ، ومن أطلقَ عليه أدنى الحلِّ فقد تجوَّز. انتهى.
          وقال في ((الفتح)): أو أراد بالنسبة لبقيَّةِ الجهات، وروى الفاكهيُّ من طريق عُبيد بن عميرٍ قال: إنما سمِّي التَّنعيمُ؛ لأن الجبلَ الذي عن يمين / الدَّاخل يقال له: ناعمٌ، والذي عن يسَارهِ يقال له: نعيم، والوادِي نعمان. انتهى.
          ويوافقُه قولُ ((القاموس)): سُمِّي به؛ لأنَّ على يمينه جبلَ نعيمٍ، وعن يسارهِ جبلَ ناعمٍ، والوادي اسمه نعمانٌ. انتهى فافهم.
          وروى الأزرقيُّ عن ابن جريحٍ قال: رأيت عطاءً يصف الموضعَ الذي اعتمرتْ منه عائشة، فأشارَ إلى الموضعِ الذي ابتنى فيه محمدُ بن علي بن شافعٍ المسجدَ الذي وراء الأكمَة، وهو المسجدُ الخرب.
          ونقل الفاكهيُّ عن ابن جُريجٍ وغيره: أنَّ ثمَّ مسجدين يزعمُ أهلُ مكة أنَّ الخربَ الأدنى من الحرم هو الذي اعتمرَتْ منه عائشة، وقيل: هو المسجدُ الأبعدُ على الأكمة الحمراء، ورجَّحه المحبُّ الطَّبري.
          وقال الفاكهيُّ: لا أعلمُ إلا أنِّي سمعتُ ابنَ أبي عمرٍ يذكر عن أشياخهِ أن الأوَّلَ هو الصَّحيحُ عندهم. انتهى.
          قال في ((التحفة)): وهو المسمَّى الآن بمساجدِ عائشة. انتهى.
          تنبيه: الاعتمارُ من التَّنعيم أو غيره من أدنى الحلِّ إلى مكة واجبٌ على من يريدُ الاعتمَار من الحرم، والتَّنعيمُ أحدُ المواقيت المكانيَّة للعمرة، وأما ميقاتُها للخارجِ عن الحرمِ فميقاتُ الحج، فلو لم يخرجْ إلى أدنى الحلِّ أو جاوز الميقات فأحرمَ لزمه دمٌ ما لم يعدْ إلى الميقات قبل شروعهِ في طوافها، ووجوب ذلك للاتباع، والحكمةُ فيه ليجمعَ بين الحلِّ والحرمِ كالجمع في الحجِّ بينهما بالوقوفِ ودخولِ الحرم، ولأمرهِ عليه السلام عائشة بالخروجِ إلى أدنى الحلِّ للإحرامِ منه بالعمرة، فلو لم يجبْ لأمرَها بالإحرامِ من مكانها لضيق الوقت؛ لأنَّه كان قرب رحيل الحاج.
          وأفضلُ بقاع الحلِّ للإحرامِ بالعمرة: الجِعْرانة _بكسر الجيم وسكون العين وتخفيف الراء على الأفصح_؛ لأنه عليه السلام اعتمرَ منها ليلاً، ثمَّ أصبح كبائت وقت رجوعهِ مِن حنين سنةَ ثمانٍ في فتح مكة.
          وحكى الأذرعيُّ عن بعضهم: أنه اعتمرَ منها ثلاثمائة نبيٍّ، وبينها وبين مكَّة اثنا عشر ميلاً، وقيل: ثمانية عشر ميلاً.
          ثمَّ التَّنعيم، وتقدم تعريفُه.
          ثمَّ الحديبية بتخفيف الياء على الأفصح في الأصل: بئرٌ قرب حَدة _بالحاء المهملة_ بينها وبين مكة ما مرَّ في الجِعْرَانة؛ لأنَّه صلعم صلَّى بها وأراد الدُّخولَ لعمرته منها.