إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ما منكم من أحد إلا قد كتب مقعده من النار أو من الجنة

          6605- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ) هو لقب عبدِ الله بن عثمانَ بنِ جبلة العتكيُّ المروزيُّ (عَنْ أَبِي حَمْزَةَ) بالحاء المهملة والزاي، محمد بن ميمون السُّكريُّ (عَنِ الأَعْمَشِ) سليمان (عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ) بضم العين وسكونها(1) في الأوَّل، السُّلميِّ الكوفيِّ (عَنْ) ضمرة(2) (أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) عبد الله بنِ حبيبٍ التَّابعيِّ الكبير (السُّلَمِيِّ) بضم السين وفتح اللَّام (عَنْ عَلِيٍّ ☺ ) أنَّه (قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ النَّبِيِّ صلعم ) وفي «الجنائز» في «موعظة المحدِّث عند القبر» [خ¦1362] من طريق منصور، عن سعد بن عبيدة: «كنَّا في جنازةٍ في بقيعِ الغرقدِ، فأتانا رسولُ الله صلعم فقعدَ وقعدنَا حوله » (وَمَعَهُ عُودٌ يَنْكُتُ) بفتح التحتية وسكون النون وبعد الكاف المضمومة مثناة فوقية، أي: يضربُ به (فِي الأَرْضِ) كما هي عادةُ من يتفكَّر في شيءٍ يُهمه (وَقَالَ) بالواو وسقطَتْ لأبي ذرٍّ، وفي «الجنائز» [خ¦1362] «ثمَّ قال»: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ) وزاد في رواية منصورٍ: «مَا مِن نفسٍ منفوسَةٍ»(3) (إِلَّا قَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ) موضع قعوده (مِنَ النَّارِ أَوْ مِنَ الجَنَّةِ) فـ «أو» للتَّنويع، أو بمعنى الواو، ويؤيِّده رواية منصورٍ: «إلَّا كتبَ مكانُها من الجنَّة والنَّار» [خ¦1362] وفي رواية سفيان: «إلَّا وقدْ كتبَ مقعده من الجنَّة، ومقعده من النَّار» [خ¦4945] وفي حديث ابن عمر عند المؤلِّف [خ¦6515] الدَّلالةُ على أنَّ لكلِّ أحدٍ مقعدَين (فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ) في مسلم أنَّه سُرَاقة بنُ مالك ابنِ جُعْشم: (أَلَا) بالتَّخفيف (نَتَّكِلُ) أي: نعتمدُ، زاد منصور: «على كتابنَا وندعُ العملَ» (يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ) صلعم : (لَا) تتركوا العملَ بل (اعْمَلُوا) امتثالًا لأمرِ المولى، وعبوديَّةً له في قولهِ(4) تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات:56] / (فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ) بفتح السين المشددة، زاد في رواية شعبة، عن الأعمشِ _السَّابقة في «سورة اللَّيل»_: «لِمَا خُلِقَ له» [خ¦4949] (ثُمَّ قَرَأَ) صلعم : ({فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى} الاية[الليل:5]).
          قال الخطابيُّ ☼ : إنَّ قولَ الصَّحابيِّ هذا مطالبةٌ بأمرٍ يوجبُ تعطيلَ العبوديَّة، فلم يرخِّص له صلعم ؛ لأنَّ إخبارَ الرَّسول صلعم عن سابقِ الكتابِ إخبارٌ عن غيبِ علمِ الله تعالى فيهم، وهو حجَّة عليهم، فرام‼ أن يتَّخذه حجَّة لنفسهِ في تركِ العملِ، فأعلمَه صلعم أنَّ ههنا أمرين محكمين لا يبطُلُ(5) أحدُهما بالآخر: باطنٌ وهو الحكمة الموجبةُ في حكمِ الرُّبوبيَّة، وظاهرٌ وهو السِّمة اللَّازمة في حقِّ العبوديَّة، وهي أمارَةٌ ومُخَيَّلةٌ غيرُ مفيدةٍ حقيقةَ العلم، ويشبهُ أن يكون _والله أعلم_ إنَّما عوملوا بهذه المعاملةِ وتُعبِّدوا بهذا التَّعبُّد؛ ليتعلَّق خوفُهم ورجاؤهُم بالباطنِ، وذلك من صفةِ الإيمان، وبيَّن صلعم أنَّ كلًّا(6) ميسَّر لِمَا خُلِقَ له، وأنَّ عمله في العاجلِ دليل مصيرهِ في الآجلِ، وهذه الأمورُ في حكمِ الظَّاهر، ومِن وراءِ ذلك حكمُ الله تعالى، وهو الحكيمُ الخبيرُ لا يُسأل عمَّا يفعلُ، واطلبْ نظيرَه من الرِّزق المقسومِ مع الأمر بالكسبِ، ومن الأجلِ المضروبِ مع المعالجةِ بالطِّب المأمورِ بها(7).
          والحديث سبقَ في «باب موعظة المحدِّث عند القبر» من «الجنائز» [خ¦1362] ولمَّا كان ظاهر هذا الحديث يقتضِي اعتبار العملِ الظَّاهر أردفَه بما يدلُّ على أنَّ الاعتبار بالخاتمةِ، فقال:


[1] في (ب) و(س): «بسكونها».
[2] كذا في الأصول والذي في «الفتح» و«العمدة»: صهر أبي عبد الرحمن. وهو الصواب. يحرر.
[3] قوله: «وزاد في ... منفوسة»: ليس في (د).
[4] في (س): «ولقولهِ».
[5] في (س): «يعطل».
[6] في (ل): «كلّ».
[7] في (د): «المأذون فيه»، وفي (ص): «المأذون فيها». وأشار إليها العلامة قطة ☼ بهامش طبعته.