إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب {وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله}

          ░16▒ هذا (بابٌ) بالتَّنوين يذكرُ فيه قوله تعالى: ({وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ}[الأعراف:43]) اللَّام في {لِنَهْتَدِيَ} لتوكيد النَّفي، و{أَنْ } وما في حيِّزها في محلِّ رفعٍ بالابتداءِ، والخبر محذوفٌ، وجواب {لَوْلا} مدلولٌ عليه بقولهِ: {وَمَا كُنَّا} تقديرُه: لولا هدايتُه لنا موجودةٌ لشقينَا، أو ما كنَّا مُهتدين، وقد دلَّت على أنَّ المهتدِي مَنْ هداهُ الله، وأنَّ من لم يهدِه الله لم يهتدِ، ومذهبُ المعتزلةِ أنَّ كلَّ ما فعل الله في حقِّ الأنبياء والأولياءِ من أنواعِ الهدايةِ والإرشاد فقد فعلهُ في حقِّ جميع الكفَّار والفسَّاق، وإنَّما حصلَ الامتيازُ بين المؤمن والكافرِ والمحقِّ والمبطلِ بسعي نفسِه واختيارِ نفسه، فكان يجبُ / عليه أن يحمدَ نفسه؛ لأنَّه هو الَّذي حصَّلَ لنفسهِ الإيمان، وهو الَّذي أوصلَ نفسه إلى درجاتِ الجنَّة وخلَّصها من دركاتِ النِّيران، فلمَّا لم يحمدْ نفسَه البتَّة إنَّما حمدَ الله تعالى فقط علمنَا أنَّ الهادِي ليس إلَّا الله تعالى، وقوله تعالى: ({لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي})‼ أعطانِي الهدايةَ ({لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}[الزمر:57]) من الَّذين يتَّقون الشِّرك.
          قال الشَّيخ أبو منصورٍ ⌂ : وهذَا الكافرُ أعرفُ بالهدايةِ من المعتزلةِ، وكذَا أولئك الكفرة الَّذين قالوا لأتباعِهم: {لَوْ هَدَانَا اللّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ}[إبراهيم:21] يقولون: لو وفَّقنا الله للهدايةِ وأعطانا الهدَى لدعونَاكم إليه، ولكن علمَ منَّا اختيارَ الضَّلالة والغوايةِ فخذَلنا ولم يوفِّقنا، والمعتزلةُ يقولون: بل هداهُم وأعطاهُم التَّوفيق لكنَّهم لم يهتدوا. والحاصل: أنَّ عند الله لطفًا من أُعطي ذلك اهتدَى وهو التَّوفيق والعصمة، ومَن لم يعطه ضلَّ وغَوى، وكان استيجابُه العذاب وتضييعُه الحقَّ بعدما تمكَّن من تحصيلهِ لذلك. والحاصلُ من مذهبِ أهل السُّنَّة: أنَّ الله تعالى(1) أقدَرَ العبادَ على اكتسابِ ما أرادَ منهم من إيمانٍ وكفْرٍ، وأنَّ ذلك ليسَ بخلق للعبادِ، كما زعمَتْ القدريَّة.


[1] في (د): «أنه تعالى».