إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب: المعصوم من عصم الله

          ░8▒ هذا (بابٌ) بالتَّنوين يُذكر فيه قوله صلعم : (المَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللهُ) بإسقاطِ ضمير المفعول (عَاصِمٌ) في قولهِ تعالى: {لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ}(1)[هود:43] أي: (مَانِعٌ) كذا فسَّره عكرمةُ فيما أخرجهُ الطَّبريُّ من طريقِ الحكم بن أبان، عنه.
          (قَالَ مُجَاهِدٌ) هو ابنُ جبر: (▬سَدًا↨) بألف بعد الدال المنوَّنة من(2) غيرِ تشديدٍ في الفرعِ كأصلهِ، وقال في «الفتح»: بالتَّشديد والألف، أي: (عَنِ الحَقِّ يَتَرَدَّدُونَ فِي الضَّلَالَةِ) وهذا وصلهُ ابنُ أبي حاتم من طريقِ ورقاء عن ابنِ أبي نَجيحٍ عنه في قولهِ تعالى: {وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا}[يس:9] قال: عن الحقِّ، ووصلهُ عبدُ بن حُميد من طريق شبل‼ عن ابنِ(3) أبي نَجيح، عن مجاهدٍ في قولهِ تعالى: {سَدًّا}[يس:9] قال: عن الحقِّ، وقد يتردَّدون، ورأيتُه في بعض النُّسخ: ”سُدى“ بتحتيَّةٍ بعد الدَّال مخففًا، وعليها شرح الكِرْمانيُّ. قال في «الفتح»: فزعم الكِرْمانيُّ أنَّه وقع هنا: {أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى}[القيامة:36] أي: مهملًا مُتردِّدًا في الضَّلالة، ولم أرَ في شيءٍ من نسخ البخاريِّ إلَّا اللَّفظ الَّذي أوردتُه، ولم أرَ في شيءٍ من التَّفاسير الَّتي تساق بالأسانيد لمجاهد(4) في قولهِ: {أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى}[القيامة:36] كلامًا، ولم أرَ في قولهِ: «في الضَّلالة» في شيءٍ من المنقولِ بالسَّند عن مجاهدٍ. انتهى.
          وتعقَّبه العينيُّ فقال: هذا الكلام ينقضُ آخره أوَّله؛ لأنَّه قال أوَّلًا: ورأيته في بعض نسخ البخاريِّ: ”سدى“ بتخفيف الدَّال، ثمَّ قال: ولم أرَ في شيءٍ من نسخ البخاريِّ إلَّا الَّذي أوردتُه. ومع هذا / فإنَّه لم يطَّلع على جميع النُّسخ؛ إذ لم يطَّلع(5) إلَّا على النُّسخ الَّتي في مدينتهِ، وأمَّا النُّسخ الَّتي في كرمان وبلخ وخراسان فلا. وأجاب في «انتقاض الاعتراض» بأنَّ الَّذي نفى رؤيتَه قولُ الكِرْمانيِّ قولُه(6): وقال: {أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى}[القيامة:36] أي: مهملًا متردِّدًا في الضَّلالة، وأمَّا الَّذي ذكر أنَّه رآه في بعض النُّسخ فهو مجرَّد لفظ {سُدًى} بالتَّخفيف وبالتَّحتية آخره، فأين التَّناقض؟
          ({دَسَّاهَا}) من قولهِ تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}[الشمس:10] قال مجاهدٌ فيما رواه الفِريابيُّ عن ورقاء، عن ابنِ أبي نَجيح، عنه: (أَغْوَاهَا) قال:
وأنْتَ الَّذِي دسَّسْتَ عَمْرًا فأَصْبَحتْ                     حَلائلُهُ منْهُ أَرَامِلُ ضُيَّعا
          وأصلها: دسَّسَها من التَّدسيس فكثرتِ الأمثالُ، فأبدل من ثالثها حرف علَّة، والتَّدسية الإخفاءُ، يعني: أخفى نفسه بالفجور(7)، وقال ابن الأعرابيِّ: {وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}[الشمس:10] أي: دسَّ نفسه في جملةِ الصَّالحين، وليس منهم.


[1] في (د): «{وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ} لا عاصم اليوم من أمر الله».
[2] في (س): «أي من».
[3] في (ل): «ابنَي».
[4] في (د): «كمجاهد».
[5] «إذ لم يطلع»: ليست في (د).
[6] في (د): «في قوله».
[7] في (س): «أخفى الفجور»، وفي (ص): «أخفى بالفجور».