إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: الشفاء في ثلاثة: شرطة محجم أو شربة عسل

          5681- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ) / صاعقة قالَ: (أَخْبَرَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ) بالسين المهملة المضمومة والراء المفتوحة بعدها تحتية ساكنة فجيم (أَبُو الحَارِثِ) البغداديُّ قالَ: (حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ شُجَاعٍ) الجزريُّ (عَنْ سَالِمٍ الأَفْطَسِ) الأمويِّ مولاهم (عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) ☻ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ) أي(1) في ثلاثةِ أشياء (في شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ) قيل: ليس المراد الشُّرب على الخصوصِ، بل استعمالهُ في الجملةِ فيما يصلحُ استعمالُه فيه، فإنَّه يدخلُ في المعجوناتِ المسهِّلة ليحفظ على تلك الأدويةِ فعلها(2)، فيسهِّلُ الأخلاطَ الَّتي في البدنِ (أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ(3)) وليس المراد حصرَ الشِّفاء في الثَّلاثة فقد يكونُ الشِّفاء في غيرها، وإنَّما نبَّه بها(4) على أصول العلاجِ؛ لأنَّ الأمراض تكون دمويَّة وصفراويَّة وبلغميَّة(5) وسوداويَّة، شفاء(6) الدَّمويَّة بإخراجِ الدَّم، وخصَّ الحجمَ بالذِّكر لكثرةِ استعمال العرب له وبقيَّتها بالمسهِّل الملائم لكلِّ خلطٍ منها، وأمَّا الكيُّ(7) فيكون أخيرًا لما ذكرنا (وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الكَيِّ).
          قال الشَّيخ عبدُ الله بن أبي جمرة ما حاصله: عُلِم من مجموعِ كلامهِ في الكيِّ أنَّ فيه نفعًا ومضرَّةً، فلمَّا نهى عنه عُلِم أنَّ جانبَ المضرَّة فيه أغلب. قال: وقريبٌ منه إخبارُ الله تعالى(8) أنَّ في الخمر منافعَ ثمَّ حرَّمها لأنَّ المضارَّ الَّتي فيها أعظمُ من المنافع، وقد أبدى في «المصابيح» سؤالًا وهو فإن قلت: المبدل منه هو ثلاثة من قولهِ: الشِّفاء في ثلاثةٍ، والبدلُ أحدُ ثلاثةٍ لوجودِ العطف بـ «أو» فما وجهه؟ وأجاب: بأنَّه على حذف مضاف، أي: الشِّفاء في أحدِ ثلاثة، فليس المبدلُ منه والبدلُ مختلفين بالتَّعدد والوحدة، بل هما متَّفقانِ بهذا التَّقدير، كما قالوهُ في قول الشَّاعر:
وقَالُوا لَنَا ثِنْتَانِ لَا بُدَّ مِنْهُمَا                     صُدُورُ رِمَاحٍ أُشْرِعَتْ أَو سَلاسِلُ
أي: لنا إحدى(9) خصلتينِ مبهمتينِ(10).


[1] «أي»: ليست في (ص) و(م).
[2] في (د): «قواها». وأشار إلى ذلك بهامش (ب).
[3] في (ص) و(م): «نار».
[4] في (ب): «به».
[5] في (س): «وبلغمة».
[6] قوله: «شفاء» زيادة من «الفتح» لزيادة البيان.
[7] في (ص): «الخلط».
[8] «إخبار الله تعالى»: ليست في (د).
[9] في (ص): «أحد».
[10] في (م): «منهن».