إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب: الحمى من فيح جهنم

          ░28▒ هذا (بابٌ) بالتَّنوين: (الحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ) من سُطوعِ حرِّ جهنَّم وفَورانها حقيقة، أُرْسِلَتْ إلى الدُّنيا نذيرًا(1) للجَاحدين وبشيرًا للمُقرِّين؛ لأنَّها كفَّارةٌ لذنوبهم، أو من باب التَّشبيه شبَّه اشتعالَ حرارة الطَّبيعة في كونها مذيبةً للبدن ومُعذِّبة له بنارِ جهنَّم، ففيه تنبيهٌ للنُّفوسِ على شدَّة حرِّ جهنَّم(2) أعاذنَا الله منها ومن سائر المكارهِ بمنِّه وكرمهِ آمين، والأوَّلُ أولى. قال الطِّيبيُّ: «من» ليست بيانيَّة حتَّى يكون تشبيهًا، كقوله: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}[البقرة:187] فهي إمَّا ابتدائية، أي: الحمَّى نشأت وحصلتْ من فيحِ جهنَّم، أو تبعيضيَّة، أي: بعضٌ منها. قال: ويدلُّ على هذا التَّأويل ما في «الصَّحيح» [خ¦537] «اشتكتِ النَّارُ إلى ربِّها فقالت: ربِّ أكلَ بعضي بعضًا / ، فأذن(3) لها بنفسَين: نفسٍ في الشِّتاءِ ونفسٍ في الصَّيفِ»، وكما أنَّ حرارةَ الصَّيفِ أثرٌ من فيحها كذلك الحُمَّى. والحمَّى: حرارةٌ غريبةٌ تشتعلُ في القلبِ، وتنتشرُ منه بتوسُّطِ الرُّوحِ والدَّم في العُروقِ إلى جميعِ البدنِ، وهي قسمان عرضيَّةٌ وهي الحادثةُ عن ورمٍ، أو حركةٍ، أو إصابةِ حرارةِ‼ الشَّمسِ، أو القبضِ(4) الشَّديدِ ونحوها، ومرضيَّةٌ وهي ثلاثةُ أنواع، وتكونُ عن(5) مادَّةٍ، ثمَّ منها ما يُسَخِّنُ جميعَ البدنِ، فإن كان مبدأ تعلُّقها بالرُّوح فهي حُمَّى يومٍ لأنَّها تُقْلِعُ(6) غالبًا في يومٍ ونهايتُها إلى ثلاثٍ، وإن كان تعلُّقها بالأعضاء الأصليَّة فهي حُمَّى دِقٍّ وهي أخطرها، وإن كان تعلُّقها بالأخلاطِ سُمِّيت عفَنِيَّةً(7) وهي بعددِ(8) الأخلاطِ الأربعةِ، وتحت هذه الأنواعِ المذكورةِ أصنافٌ كثيرةٌ بسبب الإفراد والتَّركيب.


[1] في (د): «تدميرًا».
[2] في (ص): «النار».
[3] في (م): «فأمر».
[4] هكذا في كل الأصول، وفي «الفتح» وغيره: «أو القيظ».
[5] في (م) و(د): «في».
[6] في (ب): «تقطع».
[7] في (م): «عقبية».
[8] في (م): «تعدد».