إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

أخلاقه ومعاشه

          وقال: وكان ⌂ غايةً في الحياء، والشَّجاعة والسَّخاء، والورع والزُّهد في دار الدُّنيا‼ دار الفناء، والرَّغبة في دار البقاء، وكان يختم في رمضان في كلِّ يومٍ ختمةً، ويقوم بعد صلاة التَّراويح كلَّ ثلاث ليالٍ بختمةٍ.
          وقال ورَّاقه: كان يصلِّي في وقت السَّحر ثلاث عشْرة ركعةً، وقال أيضًا: دُعِيَ محمَّد بن إسماعيل إلى بستانٍ، فلمَّا صلَّى بهم الظُّهر قام يتطوَّع، فلمَّا فرغ من صلاته رفع ذيل قميصه، وقال لبعض مَنْ معه: انظر، هل ترى تحت قميصي شيئًا؟ فإذا زنبورٌ قد لسعه في ستَّة عشر أو سبعة عشر موضعًا، وقد تورَّم من ذلك جسده، فقال له بعض القوم: كيف لم تخرج من الصَّلاة أوّل ما لسعك؟! قال: كنت في سورةٍ، فأحببت أن أتمَّها، وقال: أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أنِّي اغتبت أحدًا، ويشهد لهذا كلامه في التَّجريح والتَّضعيف، فإنَّه أبلغ ما يقول في الرَّجل المتروك أو السَّاقط: فيه نظرٌ، أو سكتوا عنه، ولا يكاد يقول: فلانٌ كذَّابٌ.
          وقال ورَّاقه: سمعته يقول: لا يكون لي خصمٌ في الآخرة، فقلت: يا أبا عبد الله، إنَّ بعض النَّاس ينقم عليك «التَّاريخ»، يقول: فيه اغتيابُ النَّاس، فقال: إنَّما رَوَينا ذلك روايةً، ولم نَقُلْهُ من عند أنفسنا. وقد قال صلعم : «بئس أخو العشيرة».
          وقال: ما اغتبت أحدًا منذ علمت أنَّ الغِيبة تضرُّ أهلها، وكان قد ورث من أبيه مالًا كثيرًا، فكان يتصدَّق به.
          وكان قليل الأكل جدًّا، كثير الإحسان إلى الطَّلبة، مُفرِطًا في الكرم.
          وحُمِلَ إليه بضاعةٌ أنفذها إليه أبو حفصٍ، فاجتمع بعض التُّجَّار إليه بالعشيَّة، وطلبوها منه بربح خمسة آلاف درهمٍ، فقال لهم: انصرفوا اللَّيلة، فجاءه من الغد تجَّار آخرون يطلبونها بربح عشرة آلاف درهمٍ، فردَّهم، وقال: إنِّي نويت البارحة بيعَها للَّذين أتَوا البارحة ولا أحبُّ أن أغيِّر نيَّتي.
          وجاءته جاريته فعثرت على محبرةٍ بين يديه، فقال لها: كيف تمشين؟! فقالت: إذا لم تكن طريقٌ فكيف أمشي؟ فقال: اذهبي، فأنت حرَّةٌ لوجه الله تعالى، فقِيلَ له: يا أبا عبد الله، أغضبتك وأعتقتها؟! قال: أرضيتُ نفسي بما فعلتُ.
           وقال ورَّاقه: إنَّه كان يبني رباطًا ممَّا يلي بخارى، فاجتمع بشرٌ كثيرٌ يعينونه على ذلك، وكان ينقل اللَّبِن، فكنت أقول له: إنَّك تُكفَى ذلك، فيقول: هذا الذي ينفعني، وكان ذبح لهم بقرةً، فلمَّا أدركت القدور دعا النَّاس إلى الطَّعام، وكان بها مئة نفسٍ أو أكثر، ولم يكن علم أنَّه اجتمع ما اجتمع، وكنَّا أخرجنا خبزًا بثلاثة دراهم أو أقلَّ، فأكل جميع من حضر، وفضلت / أرغفةٌ.