إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

معلق ابن الهيثم: صدقك وهو كذوب ذاك شيطان

          5010- (وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ الهَيْثَمِ) بنِ الجهمِ، أبو عمرٍو العبديُّ البصريُّ المؤذِّن، ممَّا وصلهُ الإسماعيليُّ وأبو نُعيمٍ من طرقٍ إلى عثمان بنِ الهيثمِ، ولم يصرِّحْ فيه المؤلِّف بالتَّحديثِ، وزعمَ ابنُ العربيِّ أنَّه منقطعٌ. قال: (حَدَّثَنَا عَوْفٌ) بالفاء، ابنُ أبي جَميلة _بالجيم المفتوحة_ الأعرابيُّ، العبديُّ، البصريُّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ ) أنَّه (قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللهِ) ولأبي الوقتِ: ”النَّبيُّ“(1) ( صلعم ‼ بِحِفْظِ زَكَاةِ) الفطرِ من (رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو) بسكون الحاء المهملة وضم المثلثة، يقال: حَثَا يَحْثُو وحَثَى يَحْثي؛ أي: يأخذ بكفَّيه (مِنَ الطَّعَامِ) وكان تمرًا (فَأَخَذْتُهُ) أي: الَّذي حثى (فَقُلْتُ) له: (لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم ، فَقَصَّ الحَدِيثَ) بنحو ما سبقَ في «الوكالةِ» [خ¦2311] من قوله: قال: إنِّي محتاجٌ وعليَّ عيالٌ، ولي حاجةٌ شديدةٌ. قال: فخلَّيْتُ عنه فأصبحْتُ، فقال النَّبيُّ صلعم : «يا أبَا هريرةَ، ما فعلَ أسيرُكَ البارحَةَ؟» قال: قلتُ: يا رسولَ الله، شكا حاجةً شديدةً وعيالًا فرحمتُه، فخلَّيت سبيلهُ، قال: «أما إنَّه قد كذبكَ وسيعودُ» فعرفت أنَّه سيعودُ لقولِ رسول الله صلعم ، فرصدتُه، فجاء يحثو من الطَّعام فأخذتُه، فقلت: لأرفعنَّك إلى رسول الله صلعم . قال: دعني؛ فإنِّي محتاجٌ وعليَّ عيالٌ لا أعود، فرحمتهُ فخلَّيت سبيلهُ، فأصبحت، فقال لي رسول الله صلعم : «يا أبا هريرةَ، ما فعلَ أسيركَ؟» قلت: يا رسولَ الله، شكا حاجةً شديدةً وعيالًا، فرحمته فخلَّيت سبيلهُ. قال: «أما إنَّه قد كذبكَ وسيعود» فرصدته الثالثة، فجاء يحثو من الطَّعامِ فأخذتُه، فقلت: لأرفعنَّك إلى رسولِ الله صلعم ، وهذا آخر ثلاث مرَّات أنَّك تزعمُ لا(2) تعودُ ثمَّ تعود. قال: دعني أعلِّمك كلماتٍ ينفعكَ الله بها. قلت: ما هي؟ (فَقَالَ: إِذَا أَوَيْتَ) أي: أتيتَ (إِلَى فِرَاشِكَ) للنَّوم وأخذتَ مضجعكَ (فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ، لَنْ يَزَالَ) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”لم يزل“ (مَعَكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ) يحفظكَ (وَلَا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ، وَقَالَ) بالواو، وسقطت لأبي الوقتِ، ولأبي ذرٍّ والأَصيليِّ «فقالَ»: (النَّبِيُّ صلعم : صَدَقَكَ) بتخفيف الدال، فيما قالهُ في آيةِ الكرسيِّ (وَهْوَ كَذُوبٌ) من التَّتميم البليغ؛ وذلك / لأنَّه لمَّا أوهم مدحه بوصفهِ بصفةِ(3) الصِّدق استدركَ نفيهُ عنه بصيغةِ المبالغةِ؛ أي: صدقكَ في هذا القولِ مع أنَّ عادتهُ الكذبُ المستمرُّ (ذَاكَ شَيْطَانٌ) من الشَّياطين.


[1] قوله: «ولأبي الوقت: النبي»: ليست في (د).
[2] في (د): «أن لا».
[3] في (ص): «بصيغة».