إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: وما كان يدريه أنها رقية اقسموا واضربوا لي بسهم

          5007- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثنا“‼ (مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى) العنزيُّ البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا وَهْبٌ) هو: ابنُ جريرِ بنِ حازمٍ الأزديُّ الحافظ قال: (حَدَّثَنَا هِشَامٌ) هو: ابنُ حسَّان (عَنْ مُحَمَّدٍ) هو: ابنُ سيرينَ (عَنْ) أخيه (مَعْبَدٍ) بفتح الميم والموحدة بينهما عين مهملة ساكنة، ابنِ سيرينَ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) بكسر العين، سعدِ بنِ مالكٍ (الخُدْرِيِّ) بالدال المهملة ☺ ، أنَّه (قَالَ: كُنَّا فِي مَسِيرٍ لَنَا) وعند الدَّارقطني: في سريَّةٍ، ولم يعيِّنها (فَنَزَلْنَا) أي: ليلًا _كما في التِّرمذي_ على حيٍّ من أحياءِ العربِ، فاستضافوهُم فأبوا أن يضيِّفوهم، كما عندَ المؤلِّف في «الإجارةِ» [خ¦2276] (فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ فَقَالَتْ: إِنَّ سَيِّدَ الحَيِّ سَلِيمٌ) أي: لديغٌ بعقربٍ، ولم تُسمَّ الجاريةُ ولا سيِّد الحيِّ (وَإِنَّ نَفَرَنَا غَيَبٌ) بفتح الغين المعجمة والتحتية، جمع: غائبٍ، كخادمٍ وخدمٍ، وللأَصيليِّ وأبي الوقتِ: ”غُيَّب“ بضم الغين وتشديد التحتية المفتوحة، كراكعٍ وركَّعٍ (فَهَلْ مِنْكُمْ رَاقٍ؟) كقاضٍ يرقيه (فَقَامَ مَعَهَا رَجُلٌ) هو أبو سعيدٍ _كما في مسلمٍ_ ولا مانعَ من أن يكنِّي الرَّجل عن نفسهِ، فلعلَّ أبا سعيدٍ صرَّح تارةً وكنَّى أخرى، والحملُ على التَّعدد بعيدٌ جدًّا، لا سيَّما مع اتِّحاد المخرجِ والسِّياق والسَّبب (مَا كُنَّا نَأْبُنُهُ) بنون فهمزة ساكنة فموحدة مضمومة وتكسر فنون؛ أي: ما كنَّا نتَّهمه (بِرُقْيَةٍ، فَرَقَاهُ فَبَرَأَ) وفي «الإجارة»: فكأنَّما نُشِطَ من عقالٍ [خ¦2276] (فَأَمَرَ لَهُ) سَيِّدُ الحيِّ، ولأبي ذرٍّ: ”لنا“ (بِثَلَاثِينَ شَاةً) جُعلًا على الرُّقية (وَسَقَانَا لَبَنًا، فَلَمَّا رَجَعَ) الَّذي رقاه (قُلْنَا لَهُ) مستفهمين منه: (أَكُنْتَ تُحْسِنُ رُقْيَةً أَوْ كُنْتَ تَرْقِي؟) بفتح التاء وكسر القاف (قَالَ: لَا، مَا رَقَيْتُـ)ـه (إِلَّا بِأُمِّ الكِتَابِ) بفتح القاف بغير ضميرٍ (قُلْنَا: لَا تُحْدِثُوا) بسكون الحاء المهملة بعد ضمٍّ (شَيْئًا) في الثَّلاثين شاة (حَتَّى نَأْتِيَ _أَوْ: نَسْأَلَ_ النَّبِيَّ صلعم ) بالشَّكِّ من الرَّاوي (فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ ذَكَرْنَاهُ لِلنَّبِيِّ صلعم ، فَقَالَ: وَمَا كَانَ يُدْرِيهِ أَنَّهَا) أي: الفاتحة (رُقْيَةٌ؟ اقْسِمُوا) الجُعْلَ (وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ) أي: بنصيبٍ، فعلهُ تطييبًا لقلوبهم.
          فإن قلتَ: ما موضعُ الرُّقية من الفاتحة؟ أُجيب بأنَّ الفاتحة كلَّها رقيةٌ؛ لما اختصَّت بهِ من كونِها مبدأ القرآنِ، وحاويةً لجميعِ علومهِ؛ لاشتمالها على الثَّناء على اللهِ تعالى، والإقرارِ بعبادتهِ، والإخلاصِ لهُ، وسؤالِ الهدايةِ منه، والإشارةِ إلى الاعترافِ بالعجزِ عن القيامِ بنعمهِ، وإلى شأنِ المعادِ، وبيانِ عاقبةِ الجاحدينَ... إلى غيرِ ذلك من السِّرِّ البديعِ والبرهانِ الرَّفيع، كما(1) قاله القُرطبيُّ(2) فيما نقلَهُ في «الفتح».
          (وَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة، عبدُ الله المقعد: (حَدَّثَنَا‼ عَبْدُ الوَارِثِ) بنُ سعيدٍ ممَّا وصلَه الإسماعيليُّ قال: (حَدَّثَنَا / هِشَامٌ) هو: ابنُ حسَّان قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ) قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثنا“ (مَعْبَدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ بِهَذَا...) الحديث، ومرادُه بسياقهِ التَّصريحُ بتحديثِ مَن عنعن عنهُ في السَّابق.


[1] «كما»: ليست في (ص).
[2] في (ص): «القاضي»، وفي (س): «الطبري».