إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر

          334- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ (قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) الإمام (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ) بن محمَّد بن أبي بكرٍ الصِّدِّيق (عَنْ أَبِيهِ) القاسم (عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلعم ) ♦ (قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ) ولابن عساكر: ”النَّبيِّ“(1)( صلعم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ) وهو غزوة بني المصطلق كما قاله ابنا سعدٍ وحبَّان، وجزم به ابن عبد البِّر في «الاستذكار»، وكانت سنة ستٍّ كما ذكره المؤلِّف عنِ ابن إسحاق، أو(2) خمسٍ كما قاله ابن سعدٍ، ورجَّحه أبو(3) عبد الله الحاكم في «الإكليل»، وفي هذه الغزوة كانت قصَّة الإفك، وقال الدَّاوديُّ: كانت قصَّة التَّيمُّم في غزاة(4) «الفتح» ثمَّ تردَّد في ذلك (حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالبَيْدَاءِ) بفتح المُوحَّدة والمدِّ، أدنى إلى مكَّة من ذي الحُلَيفة (أَوْ بِذَاتِ الجَيْشِ) بفتح الجيم وسكون المُثنَّاة التَّحتيَّة آخره شينٌ مُعجَمةٌ / ، موضعٌ(5) بين مكَّة والمدينة، والشَّكُّ من أحد الرُّواة عن(6) عائشة، وقِيلَ: منها، واستُبعِد، والذيفي غير(7) هذا الحديث: «أنَّه كان بذات الجيش» كحديث(8) عمَّار بن ياسرٍ ☺ عند أبي داود والنَّسائيِّ بإسنادٍ جيِّدٍ قال: «عرَّس رسول الله صلعم بأولات(9) بذات الجيش ومعه عائشة زوجه فانقطع عقدها...» الحديثَ، ولم يشكَّ بينه وبين البيداء(10)(انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي) بكسر العين وسكون(11)القاف، أي: قلادةٌ لي، كان ثمنها اثني عشر درهمًا، والإضافة في قولها: «لي» باعتبار حيازتها للعقد واستيلائها لمنفعته، لا أنَّه ملكٌ لها بدليل ما في الباب اللَّاحق [خ¦336]: «أنَّها استعارت من أسماء قلادةً» (فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلعم عَلَى التِمَاسِهِ) أي: لأجل طلب العقد (وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ) ولغير أبي ذَرٍّ: ”وليسوا على ماءٍ، وليس معهم ماءٌ“ فالجملة‼ الأخيرة وهي: ”وليس معهم ماءٌ“(12) ساقطةٌ عند أبي ذَرٍّ هنا فقط (فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) ☺ (فَقَالُوا) له: (أَلَا تَرَى إلى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ؟) بإثبات ألف(13) الاستفهام الدَّاخلة على «لا»، وعند الحَمُّويي: ”لا ترى“ بسقوطها (أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللهِ صلعم وَالنَّاسِ) بالجرِّ (وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ) وأسند الفعل إليها لأنَّه كان بسببها (فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ) ☺ (وَرَسُولُ اللهِ صلعم وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي) بالذَّال المُعجَمة (قَدْ نَامَ فَقَالَ(14): حَبَسْتِ رَسُولَ اللهِ صلعم وَ) حبست (النَّاسَ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ) ♦ : (فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ) فقال: حبست النَّاس في قلادةٍ، وفي كلِّ مرَّةٍ تكونين عناءً (وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي) بضمِّ العين، وقد تُفتَح، أوِ الفتح للقول كالطَّعن في النَّسب، والضَّمّ للرُّمح، وقِيلَ: كلاهما بالضَّمِّ، ولم تقل عائشة: فعاتبني أبي، بل أنزلته منزلة الأجنبيِّ لأنَّ منزلة الأبوَّة تقتضي الحنوَّ، وما وقع من العتاب بالقول والتَّأديب بالفعل مغايرٌ لذلك في الظَّاهر (فَلَا) وللأَصيليِّ: ”فما“ (يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رَسُولِ اللهِ صلعم عَلَى فَخِذِي، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلعم حِينَ أَصْبَحَ) دخل في الصَّباح، وعند المؤلِّف في «فضل أبي بكرٍ» [خ¦3672]: ”فنام(15) حتَّى أصبح“ (عَلَى غَيْرِ مَاءٍ) متعلِّقٌ بـ «قام» و«أصبح»، تنازعا فيه، قال في «شرح التَّقريب»: ليس قوله: «حتَّى أصبح» لبيان غاية النَّوم إلى الصَّباح، بل لبيان فقد الماء إلى الصَّباح لأنَّه لم يطلق قوله: «حتَّى أصبح»، بل قيَّده بقوله: «حتَّى أصبح على غير ماءٍ»، أي: حتَّى آل أمره إلى أن أصبح على غير ماءٍ لأنَّ إثبات الفعل على وصفٍ أو حالٍ دون الإثبات المُطلَق(16)(فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ) التي بـ «المائدة»، ووقع عند الحميديِّ في الحديث وفيه: فنزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ } الآية إلى قوله: {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }[المائدة:6] ولم يقل: آية الوضوء، وإن كان مبدوءًا(17) به في الآية لأنَّ الطَّارئ في ذلك الوقت حكم التَّيمُّم، والوضوء كان مُقرَّرًا يدلُّ عليه: «وليس معهم ماءٌ» (فَتَيَمَّمُوا) بلفظ الماضي، أي:تيمَّم النَّاس لأجل الآية، أو هو أمرٌ على ما هو لفظ القرآن، ذكره بيانًا، أو بدلًا عن آية التَّيمُّم، أي:أنزل الله: {فَتَيَمَّمُواْ}(فَقَالَ) وفي روايةٍ: ”قال“ (أُسَيْدُ بْنُ الحُضَيْرِ) بضمِّ الهمزة في الأوَّل مُصغَّر أسدٍ، وبضمِّ الحاء المُهمَلة وفتح الضَّاد المُعجَمة والرَّاء في الآخر، الأوسيُّ الأنصاريُّ الأشهليُّ، أحد النُّقباء ليلة العقبة الثَّانية، المُتوفَّى بالمدينة سنة عشرين: (مَا هِيَ) أي: البركة التي حصلت للمسلمين برخصة التَّيمُّم (بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ) بل هي مسبوقةٌ بغيرها من البركات، وفي رواية عمرو بن الحارث: «لقد بارك الله للنَّاس فيكم»، وفي «تفسير إسحاق البستيِّ(18)» من طريق ابن أبي مليكة: أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: «ما أعظم بركة قلادتك!» (قَالَتْ) عائشة ♦ : (فَبَعَثْنَا) أي: أثرنا (البَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ) راكبةً (عَلَيْهِ) حالة السَّير مع أسيد بن حُضَيْرٍ (فَأَصَبْنَا) ولابن عساكر: ”فوجدنا“ (العِقْدَ تَحْتَهُ) وللمؤلِّف من هذا الوجه في «فضل عائشة» [خ¦3773]: فبعث ناسًا من أصحابه في طلبها، أي:القلادة، وفي الباب التَّالي لهذا الباب [خ¦336]: فبعث ╕ رجلًا فوجدها، ولأبي داود: فبعث أسيد بن حضيرٍ وناسًا معه، وجُمِعَ بينها بأنَّ أُسَيْدًا كان رأس من بُعِثَ لذلك، فلذلك سُمِّيَ في بعض الرِّوايات، وكأنَّهم لم يجدوا العقد أوَّلًا، فلمَّا رجعوا ونزلت آية التَّيمُّم وأرادوا الرَّحيل وأثاروا البعير وجده أسيد بن الحضير‼،وقال النَّوويُّ: يحتمل أن يكون فاعل «وجدها» النَّبيّ صلعم .
          واستُنبِط من الحديث: جواز تأديب الرَّجل ابنته ولو كانت مُزوَّجةً كبيرةً، وغير ذلك ممَّا لا يخفى / ، ورواته الخمسة مدنيُّون إلَّا الأوَّل، وفيه: التَّحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلِّف أيضًا في «النِّكاح» [خ¦5164] و«التَّفسير» [خ¦4607] و«المحاربين» [خ¦6844]، ومسلمٌ والنَّسائيُّ في «الطَّهارة».


[1] «ولابن عساكر: النَّبيِّ»: سقط من (د).
[2] في (ص): «و».
[3] «أبو»: سقط من (د).
[4] في (ب) و(س): «غزوة».
[5] في غير (ص) و(م): «موضعان».
[6] «أحد الرُّواة عن»: سقط من (د) و(ص).
[7] «غير»: ليس في (م).
[8] في (م): «لحديث».
[9] «بأولات»: مثبتٌ من (د) و(م).
[10] قوله:«وقِيلَ: منها، واستُبعِد،... ولم يشكَّ بينه وبين البيداء» سقط من (د) و(ص).
[11] في (م): «تسكين».
[12] «وهي: وليس معهم ماءٌ»: سقط من (م).
[13] في (م): «همزة».
[14] زيد في (د): «قد».
[15] في (ب) و(س): «فقام»، وهو تحريفٌ.
[16] قوله:«قال في شرح التَّقريب... أو حالٍ دون الإثبات المُطلَق» مثبتٌ من (م).
[17] في (ص): «مبتدأ».
[18] في (ب) و(د) و(ص): «السِّبتي»، وهو تحريفٌ.