إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث جابر: المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها

          7216- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ) الفضل بن دُكينٍ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) بن عيينة (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ) أنَّه قال: (سَمِعْتُ جَابِرًا) هو ابن عبد الله الأَنصاريُّ السَّلَميُّ _بفتح السِّين واللَّام_ له ولأبيه صحبةٌ ☻ أنَّه (قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ) لم يُسَمَّ، وقيل: قيس بن أبي حازمٍ، ورُدَّ بما سبق في «باب بيعة الأعراب» قريبًا [خ¦7209] (إِلَى النَّبِيِّ صلعم فَقَالَ): يا رسول الله (بَايِعْنِي عَلَى الإِسْلَامِ، فَبَايَعَهُ) ╕ (عَلَى الإِسْلَامِ، ثُمَّ جَاءَ الغَدَ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”من الغد“ (مَحْمُومًا، فَقَالَ: أَقِلْنِي) بيعتي على الإقامة بالمدينة، ولم يُرِدِ الارتداد عنِ الإسلام؛ إذ لو أراده لقتله كما مرَّ قريبًا (فَأَبَى) فامتنع صلعم أن يقيله؛ لأنَّ الخروج من المدينة كراهةً لها حرامٌ (فَلَمَّا وَلَّى) الأعرابيُّ (قَالَ) النَّبيُّ صلعم : (المَدِينَةُ كَالكِيرِ) الذي يتَّخذه الحدَّاد، مبنيًّا من الطِّين‼، أو الكير: الزِّقُّ، والكور: ما بُنيَ من الطِّين (تَنْفِي خَبَثَهَا) بفتح الخاء(1) المعجمة والموحَّدة؛ وهو ما تُبرِزه النَّار من الجواهر المعدنيَّة، فيخلِّصها بما يميِّزه عنها من ذلك، وأنَّث ضمير الخبث؛ لأنَّه نزَّل المدينة منزلة الكير، فأعاد الضَّمير إليها (وَيَنْصَعُ) بفتح التَّحتيَّة (طِيبُهَا) بكسر الطَّاء والرَّفع، ولأبي ذرٍّ: ”وتَنصَع“ بالفوقيَّة فـ ”طيبها“ منصوبٌ، قال في «شرح المشكاة»: ويُروى بفتح الطَّاء وكسر الياء المشدَّدة، وهي الرِّواية الصَّحيحة، وهي أقوم معنًى؛ لأنَّه ذكر في مقابلته الخبيث(2)، وأيَّة(3) مناسبةٍ بين الكير، والطِّيب؟ وقد شبَّه صلعم المدينة وما يُصيب ساكنيها(4) من الجهد والبلاء بالكير وما يوقد عليه في النَّار، فيُميَّز به الخبيث من الطَّيِّب، فيذهب الخبيث ويبقى الطَّيِّب فيه أزكى ما كانَ وأخلص، وكذلك المدينة تنفي شرارها(5) بالحمَّى والوصب والجوع، وتطهِّر خيارها(6) وتزكِّيهم.
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة ظاهرةٌ، وعند الطَّبرانيِّ بسندٍ جيِّدٍ عن ابن عمر مرفوعًا: «من أعطى بيعةً ثمَّ نكثها؛ لقي الله وليست معه يمينه»، وعند أحمد من حديث أبي هريرة رفعه: «الصَّلاة كفَّارةٌ إلَّا من ثلاث: الشِّرك بالله، ونكث الصَّفقة... »الحديث، وفيه تفسير نكث الصَّفقة: أن تعطي رجلًا بيعتك ثمَّ تقايله.


[1] «الخاء»: مثبتٌ من (د).
[2] في (ب) و(س): «الخبث».
[3] في (د): «أنه»، ولعلَّه تصحيفٌ، وفي (ع): «لا».
[4] في (د): «ساكنها».
[5] في (د): «أشرارها».
[6] في غير (ب) و(س): «خيارهم».