إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة

          7212- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزيُّ (عَنْ أَبِي حَمْزَةَ) بالحاء المهملة والزَّاي، محمَّد بن ميمون السُّكَّريِّ (عَنِ الأَعْمَشِ) سليمان بن مهران (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذَكْوان السَّمَّان (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ أنَّه(1) (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : ثَلَاثَةٌ) من النَّاس (لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ(2)) كلامًا يسرُّهم، ولكن بنحو قوله: {اخْسَؤُوا فِيهَا}[المؤمنون:108] أو لا يكلِّمهم بشيءٍ أصلًا، والظَّاهر: أنَّه كنايةٌ عن غضبه عليهم (وَلَا يُزَكِّيهِمْ): ولا يُثنِي عليهم (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) على ما فعلوه، أحدهم (رَجُلٌ) كان (عَلَى فَضْلِ مَاءٍ) زائدٍ عن حاجته (بِالطَّرِيقِ) وفي رواية أبي معاوية: «بالفلاة»؛ وهي المراد(3) بالطَّريق هنا (يَمْنَعُ مِنْهُ) أي: من الزَّائد‼ (ابْنَ السَّبِيلِ) أي: المسافر، وفي «باب إثم من منع ابن السَّبيل من الماء» [خ¦2358] من طريق عبد الواحد بن زيادٍ: «رجلٌ كان له فضل ماءٍ بالطريق، فمنعه من ابن السَّبيل»، والمقصود واحدٌ وإن تغاير المفهومان لتلازمهما؛ لأنَّه إذا منعه من الماء؛ فقد منع الماء منه؛ قاله الحافظ ابن حجرٍ ☼ ، وقال ابن بطَّالٍ: فيه دلالةٌ على أنَّ صاحب البئر أَولى من ابن السبيل عند الحاجة، فإذا أخذ حاجته؛ لم يجُز له منع ابن السَّبيل (وَ) الثَّاني (رَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا) أي: عاقده (لَا يُبَايِعُهُ) لا يعاقده (إِلَّا لِدُنْيَاهُ) ولأبي ذرٍّ: ”لِدُنْيا“ بغير ضميرٍ ولا تنوينٍ، وللأَصيليِّ: ”للدُّنيا“ بلامين (إِنْ أَعْطَاهُ) منها (مَا يُرِيدُ وَفَى) بتخفيف الفاء (لَهُ) ما عاقده عليه (وَإِلَّا) أي: وإنْ لم يعطِه ما يريد (لَمْ يَفِ لَهُ) فوفاؤه بالبيعة لنفسه، لا لله، وإنَّما استحقَّ هذا الوعيد الشَّديد؛ لكونه غشَّ إمام المسلمين، ومِن لازِم غشِّ الإمام غِشُّ الرَّعيَّة؛ لما فيه من التَّسبُّب(4) إلى إثارة الفتنة، ولا سيَّما إن كان ممَّن يُتبَع على ذلك، وقال الخطَّابيُّ: الأصل في مبايعة الإمام أن يبايع على أن يعمل بالحقِّ، ويقيم الحدود، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فمن جعل مبايعته لما يُعطاه دون ملاحظة المقصود في الأصل؛ فقد خسر خُسرانًا مبينًا، ودخل في الوعيد المذكور، وحاق به إن لم يتجاوز الله عنه (وَ) الثَّالث (رَجُلٌ يُبَايِعُ) بكسر التَّحتيَّة بعد الألف، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”بَايَعَ“ (رَجُلًا) بلفظ الماضي (بِسِلْعَةٍ بَعْدَ العَصْرِ، فَحَلَفَ بِاللهِ لَقَدْ أُعْطِيَ) بضمِّ الهمزة وكسر الطَّاء (بِهَا) أي: بسبب السِّلعة، أو في مقابلتها، وفي «اليونينيَّة» الرَّفع والكسر، ثمَّ الفتح فيهما، وفي «هامشها» ما نصُّه: في نسختي(5) الحافظين أبي ذرٍّ وأبي محمَّد الأَصيليِّ من أوَّل الأحاديث التي تكرَّرت في «حلف المشتري»: ”لقد أُعطِيَ“ بضمِّ الهمزة وكسر الطَّاء، وضمِّ مضارعه؛ كذلك وجدته مضبوطًا حيث تكرَّر (كَذَا وَكَذَا) ثمنًا عنها (فَصَدَّقَهُ) المشتري (فَأَخَذَهَا) منه بما حلف عليه كاذبًا؛ اعتمادًا على قوله (وَ) الحال أنَّه (لَمْ يُعْطَ) الحالف (بِهَا) ذلك القدر المحلوف عليه، وخصَّ بعد العصر بالذِّكر لشرفه؛ بسبب اجتماع ملائكة اللَّيل والنَّهار فيه؛ وهو وقت ختام الأعمال، والأمور بخواتيمها، وعند «مسلمٍ»: «وشيخٌ زانٍ، وملِكٌ كذَّابٌ، وعائلٌ(6) مستكبرٌ،» وعنده أيضًا من حديث أبي ذرٍّ: «المنَّان الذي لا يعطي شيئًا إلَّا مِنَّةً، والمسبِل إزاره»، وفي «الشُّرب» من «البخاريِّ» [خ¦2358] _ويأتي إن شاء الله تعالى بعون الله في «التَّوحيد» [خ¦7446]_ «ورجلٌ حلف على يمينٍ / كاذبةٍ بعد العصر؛ ليقتطع بها مال رجلٍ مسلمٍ»، فتحصَّل تسع خصالٍ، ويُحتمَل أن تبلغ عشرًا؛ لما في حديث أبي ذرٍّ المذكور: «والمنفق سلعته بالحلف الفاجر»؛ لأنَّه مغايرٌ للذي‼ حلف لقد أُعطيَ بها كذا وكذا؛ لأنَّ هذا خاصٌّ بمن يكذب في إخبار المشتري(7)، والذي قبله أعمُّ منه، فيكون خصلةً أخرى، قاله في «الفتح».
          والحديث سبق في «الشرب» [خ¦2358].


[1] «أنَّه»: ليس في (د).
[2] «يوم القيامة»: سقط من (ص) و(ع).
[3] في (ص) و(ع): «المرادة».
[4] في غير (د): «السبب».
[5] في (د): «وفي نسخة».
[6] في (د): «وعالم».
[7] في (د): «الشِّراء».