إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان

          7198- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَصْبَغُ) بالمهملة والموحَّدة المفتوحة ثمَّ المعجمة، ابن الفرج المصريُّ قال: (أَخْبَرَنَا)(1) ولأبي ذرٍّ: ”حدَّثنا“ (ابْنُ وَهْبٍ) عبد الله المصريُّ قال: (أَخْبَرَنِي) بالإفراد (يُونُسُ) بن يزيد الأيَليُّ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمَّد بن مسلمٍ الزُّهريِّ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) بن عبد الرَّحمن بن عوفٍ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) سعد بن مالكٍ (الخُدْرِيِّ) ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبِيٍّ وَلَا اسْتَخْلَفَ) بعده (مِنْ خَلِيفَةٍ إِلَّا كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ) والبطانة: مصدرٌ وُضِع موضع الاسم، يسمَّى به الواحد والاثنان والجمع، والمذكَّر والمؤنَّث (بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالمَعْرُوفِ) وفي رواية سليمان بن بلال: «بالخير» [خ¦6611] بدل قوله(2): «بالمعروف» (وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ) بحاءٍ مهملةٍ مضمومةٍ وضادٍ معجمةٍ مشدَّدةٍ: ترغِّبه فيه وتحثُّه عليه (وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ) وهذا مُتَصوَّرٌ في بعض الخلفاء، لا في الأنبياء، فلا يلزم من وجود من يشير عليهم بالشَّرِّ قبولهم منه؛ للعصمة؛ كما قال: (فَالمَعْصُومُ) بالفاء (مَنْ عَصَمَ اللهُ تَعَالَى) أي: من عصمه الله من نزغات الشَّيطان، فلا يقبل بطانة الشَّرِّ أبدًا، وهذا هو منصب النُّبوَّة الذي لا يجوز عليهم غيره، وقد يكون لغيرهم بتوفيقه تعالى، وفي الولاة من لا يقبل إلَّا من بطانة الشَّرِّ، وهو الكثير في زماننا هذا، فلا حول ولا قوة إلَّا بالله، والمراد بالبطانتين: الوزيران، وفي حديث عائشة مرفوعًا: «من وَلِي منكم عملًا فأراد الله به خيرًا؛ جعل له وزيرًا صالحًا، إن نسي ذكَّره، وإن ذكر أعانه»، ويُحتَمَل أن يكون المراد بالبطانتين: المَلَك والشَّيطان، ويُحتَمل _كما قال الكِرمانيُّ_ أن يراد بالبطانتين: النَّفس الأمَّارة بالسُّوء، والنَّفس المطمئنَّة(3) المحرِّضة على الخير، والمعصوم من أعطاه الله نفسًا مطمئنَّةً، أو(4) لكلٍّ منهما قوَّةٌ مَلَكيَّةٌ وقوَّةٌ حيوانيَّةٌ. انتهى. وقيل: المراد بالبطانتين في حقِّ النَّبيِّ صلعم : المَلَك والشَّيطان، وإليه الإشارة بقوله ╕ : «ولكنَّ الله أعانني عليه فأسلم». انتهى. فيجب على الوالي ألَّا يبادر بما يُلقى إليه من‼ ذلك حتَّى يعرضه على كتاب الله تعالى وسُنَّة نبيِّه، فما وافقهما؛ اتَّبعه، وما خالفهما؛ تركه، وينبغي أن يسأل الله تعالى العصمة من بطانة الشَّرِّ وأهله، ويحرص على بطانة الخير وأهله، قال سفيان الثَّوريُّ: ليكن أهل مشورتك أهل التَّقوى والأمانة.
          والحديث سبق في «القدر» [خ¦6611]، وأخرجه النَّسائيُّ في «البيعة» و«السِّيَر».
          (وَقَالَ سُلَيْمَانُ) بن بلالٍ، فيما وصله الإسماعيليُّ (عَنْ يَحْيَى) بن سعيدٍ الأنصاريِّ أنَّه قال: (أَخْبَرَنِي) بالإفراد (ابْنُ شِهَابٍ) محمَّد / بن مسلمٍ الزُّهريِّ (بِهَذَا) الحديث السَّابق (وَعَنِ ابْنِ أَبِي عَتِيقٍ) هو محمَّد بن عبد الرَّحمن بن أبي بكرٍ الصِّدِّيق (وَمُوسَى) بن عقبة، فيما وصله عنهما البيهقيُّ؛ كليهما (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهريِّ محمَّد بن مسلمٍ (مِثْلَهُ) أي: مثل الحديث السَّابق، قال في «الكواكب»: روى سليمان عنِ الثَّلاثة، لكنَّ الفرق بينهما أنَّ المرويَّ في الطَّريق الأولى هو المذكور بعينه، وفي الثانية(5) هو مثله. انتهى. وتعقَّبه في «الفتح» فقال: لا يظهر بينهما فرقٌ، والظَّاهر: أنَّ سرَّ الإفراد أنَّ سليمان ساق لفظ يحيى، ثمَّ عطف عليه رواية الآخرَينِ، وأحال بلفظهما عليه، فأورده البخاريُّ على وَفْقه، وتعقَّبه العينيُّ فقال: كيف يُنفى الفرق ومثلُ الشَّيء غير عينه؟ (وَقَالَ شُعَيْبٌ) هو ابن أبي حمزة، فيما وصله الذُّهليُّ في «الزُّهريَّات» (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلمٍ: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (أَبُو سَلَمَةَ) بن عبد الرَّحمن (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) الخدريِّ (قَوْلَهُ) نُصِبَ بنزع الخافض، أي: من قوله ولم يرفعه إلى النَّبيِّ صلعم .
          (وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ) عبد الرَّحمن بن عمرٍو، فيما وصله الإمام أحمد (وَمُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ) بتشديد اللَّام الدِّمشقيُّ، فيما(6) وصله النَّسائيُّ: (حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ بالجمع (الزُّهْرِيُّ) قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (أَبُو سَلَمَةَ) بن عبد الرَّحمن (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) فجعلاه من حديث أبي هريرة، وهو عند شعيبٍ عن أبي سعيدٍ، وجعلاه مرفوعًا وهو عنده موقوفًا.
          (وَقَالَ ابْنُ أَبِي حُسَيْنٍ) بضمِّ الحاء، هو عبد الله بن عبد الرَّحمن بن أبي حسين النَّوفليُّ المكيُّ (وَسَعِيدُ بْنُ زِيَادٍ) بكسر العين، وكسر زاي «زيادٍ» وتخفيف التَّحتيَّة، الأنصاريُّ المدنيُّ التَّابعيُّ الصَّغير (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) بن عبد الرَّحمن (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) الخدريِّ (قَوْلَهُ) أي: من قوله، لا مرفوعًا.
          (وَقَالَ عَبْدُ اللهِ) بفتح العين في الفرع، وصوابه بضمِّها (بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ) يسار المصريّ _بالميم(7)_ من صغار التَّابعين، ممَّا وصله النَّسائيُّ: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (صَفْوَانُ) بن سُليمٍ _بضمِّ السِّين_ مولى آل عوفٍ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) بن عبد الرَّحمن (عَنْ أَبِي أَيُّوبَ) خالد بن زيدٍ الأنصاريِّ أنَّه (قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم ).
          فالحديث بحسب الصُّورة الواقعة مرفوعٌ من رواية ثلاثةٍ من الصَّحابة: أبي سعيدٍ وأبي هريرة وأبي أيُّوب، لكنَّه على طريقة المحدِّثين حديثٌ واحدٌ‼ اختُلف على التَّابعيِّ في صحابيِّه، فجزم صفوان بأنَّه عن أبي أيُّوب، واختُلف على الزُّهريِّ فيه؛ هل هو أبو سعيدٍ أو أبو هريرة؟ وأمَّا الاختلاف في وقفه ورفعه؛ فلا يقدح؛ لأنَّ مثله لا يُقال من قبل الرَّأي، فسبيله الرَّفع، وتقديم البخاريِّ لرواية أبي سعيدٍ الخدريِّ الموصولة المرفوعة يُؤذِن بترجيحها عنده، لا سيَّما مع موافقةِ ابن أبي حسينٍ وسعيد بن زيادٍ لمن قال: عن الزُّهريِّ، عن أبي سلمة، عن أبي سعيدٍ، وإذا لم يبقَ إلَّا الزُّهريُّ وصفوان؛ فالزُّهريُّ أحفظ من صفوان بدرجاتٍ، قاله في «الفتح».


[1] في (د): «أخبرني».
[2] «قوله»: ليس في (د).
[3] كذا، وفي «الفتح»: «اللوامة».
[4] في (ع): «و».
[5] في (د): «الثَّاني»، وليس بصحيحٍ.
[6] في (د): «ممَّا».
[7] «بالميم»: ليس في (د).