إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من له بينة على قتيل قتله فله سلبه

          7170- وبه قال: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ) بن سعيدٍ قال: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) إمام أهل مصر، ولأبي ذرٍّ: ”اللَّيث بن سعدٍ“ (عَنْ يَحْيَى) بن سعيدٍ الأنصاريِّ (عَنْ عُمَرَ) بضمِّ العين (بنِ كَثِيرٍ) بالمثلَّثة، مولى أبي أيُّوب الأنصاريِّ (عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ) نافع (مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ: أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ) الحارث الأنصاريَّ الخزرجيَّ ☺ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم يَوْمَ حُنَيْنٍ) بضمِّ الحاء المهملة ونونين أولاهما مفتوحة بينهما تحتيَّةٌ ساكنةٌ: (مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى قَتِيلٍ قَتَلَهُ فَلَهُ سَلَبُهُ) بفتح السِّين المهملة واللَّام، بعدها موحَّدةٌ: ما معه من المال ومن الثِّياب والأسلحة وغيرهما، قال أبو قتادة: (فَقُمْتُ لأَلْتَمِسَ) لأطلب (بَيِّنَةً عَلَى / قَتِيلٍ) قتلتُه ولأبي ذرٍّ: ”على قَتيليْ“ بتحتيَّةٍ ساكنةٍ بعد اللَّام (فَلَمْ أَرَ أَحَدًا يَشْهَدُ لِي) على قتله (فَجَلَسْتُ، ثُمَّ بَدَا لِي، فَذَكَرْتُ أَمْرَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ) لم يُسَمَّ، أو هو أسود بن خزاعيٍّ الأسلميُّ؛ كما عند الواقديِّ: (سِلَاحُ هَذَا القَتِيلِ(1) الَّذِي يَذْكُرُ) أبو قتادة(2) (عِنْدِي) وفي «الخُمُس» من «الجهاد» [خ¦3142] فقال رجلٌ: صدق يا رسول الله، وسَلَبُه عندي (قَالَ) صلعم للرُّجل(3): (فَأَرْضِهِ مِنْهُ) بقطع الهمزة وكسر الهاء، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيّ: ”منِّي“(4) (فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ) الصِّدِّيق ☺ : (كَلَّا): كلمة ردعٍ (لَا يُعْطِهِ) _بضمِّ التَّحتيَّة وكسر الطَّاء المهملة والهاء_ أبو قتادة(5) (أُصَيْبِغَ مِنْ قُرَيْشٍ) بضمِّ الهمزة وفتح الصَّاد المهملة وبعد التَّحتيَّة السَّاكنة موحَّدةٌ مكسورةٌ فغينٌ معجمةٌ، منصوبٌ مفعولٌ ثانٍ لـ «يُعْطه»: نوعٌ من الطَّير، ونباتٌ ضعيفٌ كالثُّمام، ولأبي ذرٍّ: ”أُضَيبِعً(6)“ بالضَّاد المعجمة والعين المهملة المنصوبة المنوَّنة في «اليونينيَّة»، تصغير الضَّبع (وَيَدَعَ(7) أَسَدًا مِنْ أُسْدِ اللهِ) بضمِّ الهمزة وسكون السِّين المهملة، وكأنَّه لمَّا عظَّم أبا قتادة بأنَّه أسدٌ من أسد الله؛ صغَّر ذلك القرشيَّ، وشبَّهه بالأُضيبع؛ لضعف افتراسه بالنِّسبة إلى الأسد (يُقَاتِلُ عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ) في موضع نصبٍ صفة «أسدًا» (قَالَ) أبو قتادة: (فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلعم ) الرَّجل الذي عنده السَّلَب، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي‼ والمُستملي: ”فقام رسول الله صلعم “، وللأَصيليِّ وأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”فعلم(8) رسول الله صلعم “ أي: أنَّ السَّلَب لي (فَأَدَّاهُ إِلَيَّ) بتشديد الياء، فأخذتُه فبِعتُه من حاطب بن أبي بلتعة بسبع أواقٍ (فَاشْتَرَيْتُ مِنْهُ خِرَافًا) بكسر الخاء المعجمة وفتح الرَّاء مخفَّفةً وبعد الألف فاٌء، أي(9): بستانًا (فَكَانَ) هو (أَوَّلَ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ) بمثلَّثةٍ مشدَّدةٍ: اتَّخذتُه أصل المال واقتنيته، وإنَّما حكم صلعم بذلك مع طلبه أوَّلًا البيِّنة؛ لأنَّ الخصم اعترف، مع أنَّ المال لرسول الله صلعم يعطيه من يشاء.
          والحديث سبق في «البيوع» [خ¦2100] و«الخمس» [خ¦3142].
          قال المؤلِّف: (قَالَ عَبْدُ اللهِ) بن صالحٍ كاتب اللَّيث بن سعدٍ، وللكشميهنيِّ: ”قال لي عبد الله“ (عَنِ اللَّيْثِ) بن سعدٍ الإمام: (فَقَامَ النَّبِيُّ صلعم ، فَأَدَّاهُ) أي: السَّلب (إِلَيَّ) بتشديد الياء، وفيه تنبيهٌ على أنَّ رواية قتيبة لو كانت «فقام» لم يكن لذكر رواية عبد الله بن صالح معنًى، قال بعضهم: وليس في إقرار ماعزٍ عنده صلعم ، ولا حكمه بالرَّجم دون أن يشهد من حضره، ولا في إعطائه السَّلب لأبي قتادة: حجَّةٌ للقضاء بالعلمِ؛ لأنَّ ماعزًا إنَّما أقرَّ بحضرة الصَّحابة؛ إذ من المعلوم أنَّه صلعم لا يقعد وحده، فلم يحتجْ صلعم أن يُشهِدهم على إقراره؛ لسماعهم منه ذلك، وكذلك قصَّة أبي قتادة (وَقَالَ أَهْلُ الحِجَازِ) مالكٌ ومن تبعه في ذلك: (الحَاكِمُ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ، شَهِدَ بِذَلِكَ فِي) وقت (وِلَايَتِهِ أَوْ قَبْلَهَا) لوجود التُّهمة، ولو فُتِح هذا الباب؛ لَوَجَد قاضي السُّوء سبيلًا إلى قتل عدوِّه وتفسيقه والتَّفريق بينه وبين من يحبُّه(10)، ومن ثمَّ قال الشَّافعيُّ: لولا قضاة السُّوء؛ لقلت: إنَّ للحاكم أن يحكم بعلمه (وَلَوْ أَقَرَّ خَصْمٌ عِنْدَهُ) أي: عند الحاكم (لآخَرَ بِحَقٍّ فِي مَجْلِسِ القَضَاءِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ) بفتح التَّحتيَّة وكسر الضَّاد المعجمة (_فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ_ حَتَّى يَدْعُوَ) الحاكم (بِشَاهِدَيْنِ فَيُحْضِرَهُمَا إِقْرَارَهُ) أي: إقرار الخصم، وهذا قول ابن القاسم وأشهب (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِرَاقِ) أبو حنيفة ومن تبعه(11): (مَا سَمِعَ) القاضي (أَوْ رَآهُ فِي مَجْلِسِ القَضَاءِ؛ قَضَى بِهِ، وَمَا كَانَ في غَيْرِهِ) غير مجلس القضاء (لَمْ يَقْضِ) فيه (إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ) يُحضِرهما إقراره، ووافقهم مطرِّفٌ وابن الماجشون وأصبغ وسحنون من المالكيَّة. (وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ) من أهل العراق، أبو يوسف ومن تبعه: (بَلْ يَقْضِي بِهِ) بدون شاهدين (لأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ) بفتح الميم الثَّانية (وَإِنَّمَا) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”وأنَّه“ (يُرَادُ مِنَ الشَّهَادَةِ مَعْرِفَةُ الحَقِّ، فَعِلْمُهُ أَكْثَرُ مِنَ الشَّهَادَةِ) «أكثر» بالمثلَّثة. (وَقَالَ بَعْضُهُمْ) أي: بعض أهل العراق‼: (يَقْضِي) القاضي (بِعِلْمِهِ فِي الأَمْوَالِ، وَلَا يَقْضِي) بعلمه (فِي غَيْرِهَا) فلو رأى رجلًا يزني مثلًا؛ لم يقضِ بعلمه حتَّى تكون بيِّنةٌ تشهد بذلك عنده، وهو منقولٌ عن أبي حنيفة وأبي يوسف (وَقَالَ القَاسِمُ) بن محمَّد بن أبي بكرٍ الصِّدِّيق ♥ ؛ لأنَّه إذا أُطلِق يكون / المراد، لكن رأيت في هامش فرع «اليونينيَّة» وأصلها أنَّه: ”ابن عبد الرَّحمن بن عبد الله بن مسعودٍ“ فيما قاله أبو ذرٍّ الحافظ، وقال في «الفتح»: كنت أظنُّه ابن محمَّد بن أبي بكر؛ لأنَّه إذا أُطلِق في الفروع الفقهيَّة انصرف الذِّهن إليه، لكن رأيت في روايةٍ عن أبي ذرٍّ أنَّه ابن عبد الرَّحمن بن عبد الله بن مسعودٍ، فإن كان كذلك؛ فقد خالف أصحابه الكوفيِّين، ووافق أهل المدينة في هذا الحكم، وتعقَّبه العينيُّ فقال: الكلام في صحَّة رواية أبي ذرٍّ على أنَّ هذه المسألة فقهيَّةٌ، وحيثما أُطلِق؛ فالمراد(12)به: ابن محمَّد بن أبي بكرٍ، ولئن سلَّمنا صحَّة رواية أبي ذرٍّ؛ فإطباق الفقهاء على أنَّه إذا أُطلِق يراد به: ابن محمَّد بن أبي بكر(13) أرجحُ من كلام غيرهم؛ كذا قال؛ فليتأمَّل، ومقول قول القاسم: (لَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يُمْضِيَ) بضمِّ التَّحتيَّة وسكون الميم، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”أن يَقْضيَ“ بفتح التَّحتيَّة وبالقاف بدل الميم (قَضَاءً بِعِلْمِهِ دُونَ عِلْمِ غَيْرِهِ، مَعَ أَنَّ عِلْمَهُ أَكْثَرُ) بالمثلَّثة (مِنْ شَهَادَةِ غَيْرِهِ، وَلَكِنَّ) بتشديد النُّون (فِيهِ) أي: في القضاء بعلمه دون بيِّنةٍ (تَعَرُّضًا لِتُهَمَةِ نَفْسِهِ عِنْدَ المُسْلِمِينَ، وَإِيقَاعًا لَهُمْ فِي الظُّنُونِ) الفاسدة به، و«إيقاعًا» نُصِبَ عطفًا على «تعرُّضًا»، ولأبي(14) الوقت: ”ولكنْ“ بالتَّخفيف ”فيه تعرُّضٌ“ بالرَّفع، مبتدأٌ خبره قوله: «فيه» مقدَّمًا، ”وإيقاعٌ“ عطفٌ على «تعرُّضٌ»، أو نُصِبَ على أنَّه مفعولٌ معه، والعامل فيه متعلَّق الظَّرف (وَقَدْ كَرِهَ النَّبِيُّ صلعم الظَّنَّ فَقَالَ) في الحديث اللَّاحق [خ¦7171] (إِنَّمَا هَذِهِ صَفِيَّةُ).


[1] في (ص): «الرَّجل».
[2] في (ل): «قتادة».
[3] قال العلامة قطة ⌂ : في إعادة ضمير: «قال» للنَّبي صلعم نظر، فإنَّ القائل: «فأرضه منه» أو «مني» هو الرجل كما يعلم بمراجعة الحديث في «باب قول الله تعالى: {يَوْمَ حُنَيْنٍ...}» من المغازي، وأيضًا كون الصحابي _لا سيما الصِّديق_ يخاطب النبي ◙ بقوله: «كلا...» إلى آخره ممَّا لا سبيل إليه.
[4] قوله: «ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيّ: منِّي» سقط من (د).
[5] قال العلامة قطة ⌂ : قوله: «لا يعطه» أبو قتادة «أصيبغ» إلى آخره، صوابه إرجاع ضمير: «يعطه» للرسول صلعم بدليل قوله بعده: «ويدع...» إلى آخره، فتدبر.
[6] زيد في (د) و(ع): «كذا في اليونينيَّة»، وسيأتي.
[7] زيد في (ص): «أبا قتادة».
[8] في (ب) و(س): «فحكم».
[9] «أي»: مثبتٌ من (ع).
[10] في (ص): «تحته».
[11] في (د): «معه».
[12] في غير (ب) و(س): «المراد».
[13] في غير (ب) و(س): «يراد به: ابن عبد الرَّحمن»، ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.
[14] في (د): «ولأبوي ذرٍّ، و...».