إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث أنس: بينما أنا والنبي خارجان من المسجد فلقينا

          7153- وبه قال: (حَدَّثَنَا عُثْمَانُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ) أخو أبي بكرٍ قال: (حَدَّثَنَا جَرِيرٌ) بفتح الجيم، ابن عبد الحميد (عَنْ مَنْصُورٍ) هو ابن المعتمر (عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ) رافعٍ الأشجعيِّ مولاهم الكوفيِّ، أنَّه قال: (حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ☺ قَالَ: بَيْنَمَا) بالميم (أَنَا وَالنَّبِيُّ صلعم خَارِجَانِ مِنَ المَسْجِدِ؛ فَلَقِيَنَا رَجُلٌ) بكسر القاف وفتح التَّحتيَّة (عِنْدَ سُدَّةِ المَسْجِدِ) بضمِّ السِّين وفتح الدَّال المشدَّدة المهملتين: المظلَّة على بابه لوقاية المطر والشَّمس، أو الباب، أو عتبته، أو السَّاحة أمام بابه، والرَّجل: قال ابن حجر: لم أعرف اسمه، لكن في الدَّارقطنيِّ(1) أنَّه ذو الخويصِرة اليمانيُّ (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ مَتَى السَّاعَةُ) تقوم؟ (قَالَ النَّبِيُّ صلعم : مَا أَعْدَدْتَ لَهَا) ما هيَّأت لها من عملٍ؟ (فَكَأَنَّ الرَّجُلَ اسْتَكَانَ) «افتعل» من السُّكون، فتكون ألفه خارجةً‼ عن القياس، وقيل: إنَّه «استفعل» من الكون، أي: انتقل من كونٍ إلى كونٍ؛ كما قالوا: استحال؛ إذا انتقل من حالٍ إلى حالٍ، وقوَّة المعنى تؤيِّد الأوَّل؛ إذِ الاستكانة هي الخضوع والانقياد، وهو يناسب السُّكون، والخروج عن القياس يضعِّفه، والقياس يؤيِّد الثَّاني، وقوَّة المعنى تضعِّفه؛ إذ ليس بينهما _أعني: المشتقَّ والمشتقَّ منه_ مناسبةٌ ظاهرةٌ؛ فيحتاج في(2) إثباتها إلى تكلُّفٍ، وقيل: هو مشتقٌّ من «الكَيْن»؛ وهو لحم باطن الفَرْج؛ إذ هو في أذلِّ المواضع، أي: صار مثله في الذُّلِّ، وقيل: كان يكين؛ بمعنى: خضع وذلَّ، والوجه بناءً على هذا هو الثَّاني؛ إذ لا يلزم الخروج عن القياس ولا عدم المناسبة، ولو كانت هذه اللُّغة(3) مشهورةً؛ لكان أحسن الوجوه / ، قاله في «المصابيح»، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”قد استكان“ (ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ مَا أَعْدَدْتُ) بالهمزة كالسَّابقة، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”ما عَدَّدْتُ“ بغير همزةٍ، قال في «الفتح»: وهو بالتَّشديد مثل: {جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ}[الهمزة:2]. انتهى. وقال المفسِّرون: {جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ} أي: أعدَّه لنوائب الدَّهر؛ مثل: كرم وأكرم، وقيل: أحصى عدده، قاله السُّدِّيُّ، وقرأ الحسن والكلبيُّ بتخفيف الدَّال، أي: جمع مالًا وعَدَدَ ذلك المال، والمعنى هنا: ما هيَّأت (لَهَا كَبِيرَ صِيَامٍ) بالباء الموحَّدة، ولبعضهم بالمثلَّثة (وَلَا صَلَاةٍ وَلَا صَدَقَةٍ، وَلَكِنِّي) بكسر النُّون المشدَّدة، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”ولكنْ“ بسكون النُّون مخفَّفةً (أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ) صلعم له(4): (أَنْتَ) في الجنَّة (مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ) فألحقه بحسن نيَّته من غير زيادة عملٍ بأصحاب الأعمال الصَّالحة، وقال ابن بطَّالٍ: فيه جواز سكوت العالم عن جواب السَّائل والمستفتي إذا كانت المسألة لا تُعرَف، أو كانت ممَّا لا حاجة بالنَّاس إليها، أو كانت ممَّا يُخشى منها الفتنة، أو سوء التأويل، ومطابقة الحديث للتَّرجمة في قوله: «عند السُّدَّة»، قال المهلَّب: الفُتْيا في الطَّريق وعلى الدَّابة ونحو ذلك من التَّواضع، فإن كانت للضَّعيف فمحمودةٌ، وإن كانت لشخصٍ من أهل الدُّنيا أو ممَّن يُخشى(5) فمكروهةٌ، لكن إذا خشي من الثَّاني ضررًا وجب؛ ليأمن شرَّه.
          والحديث سبق في «الأدب» في «باب علامات حبِّ الله» [خ¦6171].


[1] زيد في (ص): «على».
[2] «في»: مثبتٌ من (د) و(ع).
[3] في (ب) و(س): «اللَّفظة».
[4] «له»: ليس في (د).
[5] زيد في (د): «لسانه»، وفي (ع): «له شوكة».