إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من سمع سمع الله به يوم القيامة

          7152- وبه قال: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ) بن شاهين أبو بشرٍ (الوَاسِطِيُّ) قال: (حَدَّثَنَا خَالِدٌ) هو ابن عبد الله الطَّحَّان (عَنِ الجُرَيْرِيِّ) بضمِّ الجيم وفتح الرَّاء، نسبةً إلى جُرَير بن عبَّادٍ، واسمه: سعيد بن إِياسٍ (عَنِ طَرِيفٍ) بالطَّاء المهملة آخره فاءُ، بوزن «عَظيم» (أَبِي تَمِيمَةَ) بالفوقيَّة، بوزن «عَظيمة»، ابن مُجَالدٍ(1) _بضمِّ الميم وتخفيف الجيم_ الجُهَيْمِيِّ(2) بضمِّ الجيم مُصغَّرًا، نسبةً إلى بني الجُهَيم بطنٍ من تميمٍ، وكان مولاهم، أنَّه (قَالَ: شَهِدْتُ صَفْوَانَ) بن مُحْرِز بن زيادٍ التَّابعيَّ البصريَّ (وَجُنْدُبًا) بضمِّ الجيم والدَّال المهملة بينهما نونٌ ساكنةٌ، ابن عبد الله البَجَليَّ الصَّحابيَّ المشهور (وَأَصْحَابَهُ) أي: أصحاب صفوان (وَهْوَ) أي: صفوان بن مُحْرِزٍ (يُوْصِيهِمْ) بسكون الواو، وعند الكِرمانيِّ: الضَّمير راجعٌ إلى «جندبٍ»، وكذا هو في «الأطراف» للمِزِّيِّ، ولفظه: شهدت صفوان وأصحابه وجُندبًا يوصيهم (فَقَالُوا) أي: صفوان وأصحابه لجندبٍ: (هَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلعم شَيْئًا؟ قَالَ): نعم (سَمِعْتُهُ) صلعم (يَقُولُ / : مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللهُ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ) بفتح السِّين والميم المشدَّدة، أي: من عمل للسُّمعة؛ يُظهِر الله سريرته للنَّاس، ويملأ أسماعهم بما ينطوي عليه، وقيل: سمَّع الله به، أي: يفضحه يوم القيامة، وقيل: معناه: من سمَّع بعيوب النَّاس وأذاعها؛ أظهر الله عيوبه، وقيل: أسمعه المكروه، وقيل: أراه الله ثواب ذلك من غير أن يعطيه إيَّاه؛ ليكون حسرةً عليه، وقيل: من أراد أن يعلمه النَّاس؛ أسمعه الله النَّاس، وكان ذلك حظَّه (قَالَ) ╕ : (وَمَنْ يُشَاقِقْ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ بإسقاط إحدى القافين، أي: يضرَّ النَّاس، ويحملهم على ما يشقُّ من الأمر، أو يقول فيهم أمرًا قبيحًا، ويكشف عن عيوبهم ومساوئهم (يَشْقُقِ اللهُ عَلَيْهِ) يعذِّبْه (يَوْمَ القِيَامَةِ) و«يشاقق» و«يشقُقِ» بلفظ المضارع وفكِّ(3) القاف فيهما (فَقَالُوا) له: (أَوْصِنَا، فَقَالَ) جندبٌ‼: (إِنَّ أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ) بضمِّ التَّحتيَّة وسكون النُّون وكسر الفوقيَّة، قال في «الصِّحاح»: نتنَ الشَّيءُ وأنتنَ بمعنًى، فهو مُنْتِنٌ ومِنتِن؛ بكسر الميم؛ إتباعًا لكسرة التَّاء، والنَّتْنُ: الرَّائحة الكريهة (مِنَ الإِنْسَانِ) بعد موته (بَطْنُهُ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَلَّا يَأْكُلَ إِلَّا طَيِّبًا) أي: حلالًا (فَلْيَفْعَلْ، وَمَنِ اسْتَطَاعَ أَلَّا يُحَالَ) بضمِّ التَّحتيَّة وفتح الحاء المهملة مبنيًّا للمفعول، وللأَصيليِّ وأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”ألَّا يحولَ“ (بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجَنَّةِ مِلْءُ كَفِّهِ) كذا للكشميهنيِّ: ”ملْءُ“ بغير حرف الجرِّ، ورفع «ملء» على أنَّه فاعلٌ بفعلٍ محذوفٍ دلَّ عليه المتقدِّم، أي: يحول بينه وبين الجنَّة ملءُ كفِّه، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”بِملْءِ كفٍّ“ (مِنْ دَمٍ) بغير ضميرٍ، و«من» بيانيَّةٌ (أَهْرَاقَهُ) بفتح الهمزة وسكون الهاء(4) صبَّه بغير حقِّه (فَلْيَفْعَلْ).
          وهذا الحديث وإن كان ظاهره أنَّه موقوفٌ؛ فهو في حكم المرفوع؛ لأنَّه لا يقال بالرَّأي. نعم؛ وقع مرفوعًا عند الطَّبرانيِّ من طريق الأعمش عن أبي تميمة بلفظ: قال رسول الله صلعم : «لا يحولَنَّ بين أحدكم وبين الجنَّة»، فذكر نحو رواية الجُرَيريِّ.
          قال الفَـِرَبْريِّ: (قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ) محمَّد بن إسماعيل البخاريِّ: (مَنْ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم ؟ جُنْدُبٌ؟ قَالَ: نَعَمْ؛ جُنْدُبٌ) وفي الفرع كأصله سقوط قوله: ”قلت...“ إلى آخره لأبي ذرٍّ، وقال في «الفتح»: وقد خَلَتْ رواية النَّسفيِّ من ذلك.


[1] في (د): «ومجاهد»، وهو تحريفٌ.
[2] كذا في النسخ.
[3] في (د): «وكرر».
[4] «بفتح الهمزة وسكون الهاء»: سقط من (د).