إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ما بعث نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب

          7131- وبه قال: (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ) الواشحيُّ قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج (عَنْ قَتَادَةَ) بن دِعامة (عَنْ أَنَسٍ ☺ ) أنَّه (قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم : مَا بُعِثَ نَبِيٌّ) بضمِّ الموحَّدة مبنيًّا للمفعول (إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ‼ الأَعْوَرَ الكَذَّابَ، أَلَا) بفتح الهمزة وتخفيف اللَّام؛ حرف تنبيهٍ (إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ) إنَّما اقتصر على وصف الدَّجَّال بالعور مع أنَّ أدلَّة الحدوث(1) كثيرةٌ ظاهرةٌ؛ لأنَّ العَوَر أثرٌ محسوسٌ يُدركه كلُّ أحدٍ، فدعواه الرُّبوبيَّة مع نقص خلقته علم كذبه؛ لأنَّ الإله يتعالى عن النَّقص (وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ) برفع «مكتوبٌ»، فاسم «إنَّ» محذوف؛ وهو ضمير نصبٍ إمَّا ضمير الشَّأن، أو عائدٌ على الدَّجَّال، و«بين عينيه مكتوبٌ» جملةٌ هي الخبر، و«كافرٌ» خبر مبتدأٍ محذوفٍ، أي: بين عينيه شيءٌ مكتوبٌ، وذلك الشَّيء هو كلمة كافرٍ، ولأبي ذرٍّ والأَصيليِّ: ”مكتوبًا“ بالنَّصب، قال في «المصابيح»: فالظَّاهر جعله اسم «إنَّ»، و«كافرٌ» على ما سبق، ولا يحتاج مع هذا إلى أن يرتكب حذف اسم «إنَّ» مع كونه ضميرًا؛ فإنَّه ضعيفٌ أو قليلٌ. انتهى. وقوله في «الفتح»: وإمَّا حالٌ، قال العينيُّ: ليس صحيحًا، بل قوله: «كافرٌ» عمل فيه «مكتوبٌ»، وزاد أبو أمامة عند ابن ماجه: «يقرؤه كلُّ مؤمنٍ كاتبٍ وغير كاتبٍ»، وهذا إخبارٌ بالحقيقة؛ لأنَّ الإدراك في البصر(2) يخلقه الله للعبد(3) كيف شاء، ومتى شاء، فهذا يراه المؤمن بعين بَصَره ولو(4) كان لا يعرف الكتابة، ولا يراه الكافر ولو كان يعرف الكتابة (فِيهِ) أي: في الباب (أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ) أي: يدخل فيه حديثهما (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) فأمَّا حديث أبي هريرة، فسبق في «ترجمة نوحٍ» في «أحاديث الأنبياء» [خ¦3338] وأمَّا حديث ابن عبَّاسٍ فـ «في صفة موسى» [خ¦3239] وقد وصف صلعم (5) الدَّجَّال وصفًا لم يبق معه لذي لبٍّ إشكالٌ، وتلك الأوصاف كلُّها ذميمةٌ تبيِّن لكلِّ ذي حاسَّةٍ سليمةٍ كذبه فيما يدَّعيه، وإنَّ الإيمان به حقٌّ، وهو مذهب أهل السُّنَّة خلافًا لمن أنكر ذلك من الخوارج وبعض المعتزلة، ووافقنا على إثباته بعض الجهميَّة وغيرهم، لكن زعموا أنَّ ما عنده مخاريق(6) وحيلٌ؛ لأنَّها لو كانت أمورًا صحيحةً؛ لكان ذلك إلباسًا للكاذب بالصَّادق، وحينئذٍ لا يكون فرقٌ بين النَّبيِّ والمتنبِّي، وهذا هذيان لا يُلتفَت إليه ولا يُعرَّج عليه؛ فإن هذا(7) إنَّما كان يلزم لو أنَّ الدَّجَّال يدَّعي النُّبوَّة وليس كذلك، فإنَّه إنَّما يدَّعي الإلهيَّة، ولهذا قال ╕ : «إنَّ الله ليس بأعور» تنبيهًا للعقول على حدوثه(8) ونقصه(9)، وأمَّا الفرق بين النَّبيِّ والمتنبِّي؛ فالمعجزة لا تظهر على يد المتنبيِّ(10)، لأنَّه يلزم منه انقلاب دليل الصِّدق دليل الكذب وهو محالٌ(11)، وقوله: إنَّ الذي يأتي(12) به الدَّجَّال حيلٌ ومخاريق، فقول معزول عن الحقائق؛ لأنَّ ما أخبر به النبيُّ صلعم من تلك الأمور حقائق، والعقل لا يحيل شيئًا منها، فوجب إبقاؤها على حقائقها. انتهى. ملخَّصًا من «التَّذكرة».


[1] في (ص): «الحديث»، وهو تحريفٌ.
[2] في (د) و(ع): «البصيرة».
[3] في (د) و(ع): «في العبد».
[4] في (د) و(ع): «وإن».
[5] في (ع): «الله».
[6] في (د): «مخاريف»، وكذا في الموضع اللَّاحق، ولعلَّه تصحيفٌ.
[7] في (ص): «فهذا».
[8] في (د) و(ص) و(ع): «حدثه».
[9] في (د) و(ع): «نقصانه».
[10] قوله: «فالمعجزة لا تظهر على يد المتنبي» زيادة من التوضيح لا بدَّ منها.
[11] «وهو محال»: سقط من (د).
[12] في (د) و(ع): «أتى».