إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: والذي نفسي بيده، لأقضين بينكما بكتاب الله

          6859- 6860- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ) بن واقدٍ الفِريابيُّ قال: (حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ) سفيان (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلمٍ (عَنْ عُبَيْدِ اللهِ) بضم العين (ابْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ) بن مسعود (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ) ☻ أنَّهما (قَالَا: جَاءَ رَجُلٌ) من الأعرابِ لم يُسمَّ (إِلَى النَّبِيِّ صلعم فَقَالَ:) يا رسول الله (أَنْشُدُكَ اللهَ) فعل ومفعول، ونصب الجلالة بإسقاطِ الخافضِ(1) أي: أقسم عليكَ بالله (إِلَّا قَضَيْتَ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ) الجملة من «قضيتَ» في محلِّ الحال، وشرط الفعل الواقعِ حالًا بعد «إلَّا» أن يكون مقترنًا بـ : «قد» أو يتقدَّم «إلَّا» فعلٌ منفيٌّ كقولهِ تعالى: {وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ}[الأنعام:4] ولمَّا لم يأتِ هنا شرط الحال قال ابنُ مالك: التَّقدير: ما أسألك إلَّا فعلكَ، فهي في معنى كلامٍ آخر. قال ابنُ الأثيرِ: المعنى: أسألُكَ وأقسمُ عليك أن ترفعَ نشيدَتي أو صوتي بأن تلبِّي دَعوتي وتجيبني. وقال ابنُ مالك في «شواهد التوضيح»: التَّقدير: ما نشدتُك إلَّا الفعل، وبتقدير ابن مالك هنا، وفي «التَّسهيل»: يحصلُ شرط الحال بعد إلَّا، وقولهِ: «بكتاب الله» أي: بحكم الله (فَقَامَ خَصْمُهُ) لم يُسمَّ (_وَكَانَ أَفْقَهَ مِنْهُ_) جملة معترضةٌ لا محلَّ لها من الإعراب(2) (فَقَالَ: صَدَقَ) يا رسول الله (اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ، وَأْذَنْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ) أن أقول (فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : قُلْ) ما في نفسكَ أو ما عندكَ (فَقَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا) بالعين والسين المهملتين وبالفاء: أجيرًا (فِي) خدمةِ (أَهْلِ هَذَا، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ) معطوفٌ على «كان عسيفًا» (فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِئَةِ شَاةٍ وَخَادِمٍ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ العِلْمِ فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي جَلْدَ مِئَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ، وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ. فَقَالَ) النَّبيُّ صلعم : (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) أي: وحقِّ الَّذي نفسي بيدِه، فـ «الَّذي» مع صلتهِ وعائدهِ مُقْسَمٌ به، و«نفسي»(3) مبتدأ، و«بيدِه» في محلِّ الخبر وبه يتعلَّق(4) حرف الجرِّ، وجوابُ القسم قوله: (لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ) أي: بما تضمَّنه كتاب الله، أو بحكم الله وهو أولى؛ لأنَّ الحكم فيه التَّغريب، والتَّغريبُ ليس مذكورًا في القرآنِ (المِئَةُ) شاة (وَالخَادِمُ رَدٌّ‼) أي: مردودٌ (عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِئَةٍ) «جلد» مبتدأ، والخبرُ في المجرور (وَتَغْرِيبُ عَامٍ) مصدر غرَّب، وهو مضاف إلى ظرفهِ؛ لأنَّ التَّقدير: أن يجلدَ مئة وأن يغرَّب عامًا، وليس هو ظرفًا على ظاهرهِ مقدَّرًا بـ : «في»؛ لأنَّه ليس المراد التَّغريب فيه حتَّى يقعَ في جزءٍ منه، بل المراد: أنْ يخرجَ فيلبث عامًا، فيقدَّر يغربُ(5) بيغيب؛ أي / : يغيب عامًا (وَيَا أُنَيْسُ) هو رجلٌ من أسلم (اغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا) اذهب إليها متأمِّرًا عليها وحاكمًا عليها، و«اغد» مضمَّن(6) معنى اذهب؛ لأنَّهم يستعملون الرَّواح والغدوَّ بمعنى الذَّهاب، يقولون: رحتُ إلى فلان، وغدوتُ إلى، فلانٍ(7)، فيَعُدْونَهما بـ : «إلى» بمعنى: الذَّهاب(8)، فيحتملُ أن يكون أتى بـ : «على» لفائدة الاستعلاء (فَسَلْهَا) بفتح السين وسكون اللام بلا همز، هل تعفو عن الرَّجل فيما ذكر عنها من القذفِ أو لا (فَإِنِ اعْتَرَفَتْ) بالزِّنا (فَارْجُمْهَا) فذهب أنيسٌ إليها (فَاعْتَرَفَتْ) بالزِّنا (فَرَجَمَهَا) بعد أن راجعَ النَّبيَّ صلعم ، أو بما له من التَّأمير(9) عليها، والحكم من قِبَلهِ صلعم ، وإنَّما خصَّ أنيسًا؛ لأنَّه أسلميٌّ والمرأة أسلميَّة.
          والحديث سبقَ [خ¦2724] [خ¦6633] [خ¦6835] .


[1] في (د): «بنزع الخافض».
[2] في (ل): «من الاعتراض».
[3] «مقسم به ونفسي»: ليست في (د) و(ع).
[4] في (د) و(ص): «متعلق».
[5] في (ص): «مغرب».
[6] في (ص): «يضمن».
[7] في (ع): «فعل».
[8] قوله: «يقولون رحت ... بمعنى الذهاب»: ليس في (د).
[9] في (ب) و(س): «التأمر».