إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه والله أغير مني

          6846- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُوسَى) بن إسماعيل التَّبوذكيُّ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ) الوضَّاح اليشكريُّ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ) بن عمير (عَنْ وَرَّادٍ) بفتح الواو والراء المشددة وبعد الألف دال مهملة، وللمُستملي زيادة: ”كاتب المغيرة“ (عَنِ المُغِيرَةِ) بن شعبة أنَّه (قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ) الأنصاريُّ ☺ : (لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي) أي: غيرَ محرمٍ لها (لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ) بضم الميم وسكون الصاد المهملة وفتح الفاء وبعدها حاء مهملة، غير ضاربٍ بعرضِهِ بل بحدِّه للقتلِ والإهلاكِ (فَبَلَغَ / ذَلِكَ) الَّذي قاله سعدٌ (النَّبِيَّ) ولأبي ذرٍّ: ”رسول الله“ ( صلعم فَقَالَ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ) بفتح الغين المعجمة. قال في «الصِّحاح»‼: مصدر قولك: غارَ الرَّجل على أهلِهِ يَغارُ غَيْرًا وغَيْرَةً وغَارًا(1)، ورجلٌ غيورٌ وغَيران، وجمع غَيور: غُيُرٌ، وجمع غَيْران: غَيَارى وغُيَارى، ورجلُ مِغْيارٌ وقومٌ مَغَايير، وامرأةٌ غَيورٌ، ونِسْوةٌ غُيُرٌ، وامرأةٌ غَيْرى، ونِسوةٌ غَيَارى.
          وقال الكِرْمانيُّ: الغَيرة: المنع، أي: تمنع من التَّعلق بأجنبيٍّ بنظرٍ أو غيره. وقال في «النهاية»(2): الغَيرة: الحمية والأنفةُ، يُقال: رجلٌ غيورٌ، وامرأةٌ غيور بلا تاء مبالغة، كشكور؛ لأنَّ فعولًا يستوي(3) فيه الذَّكر والأنثى.
          (لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ) بلام التَّأكيد (وَاللهُ أَغْيَرُ مِنِّي) وغَيرةُ الله تعالى منعُه عن المعاصِي، وقد اختُلف في حكمِ من رأى مع امرأتهِ رجلًا فقتلَهُ، فقال الجمهورُ: عليه القودُ، وقال الإمامُ أحمد: إن(4) أقام بيِّنةً أنَّه وجده مع امرأتهِ فدمه هدرٌ. وقال إمامنا الشَّافعيُّ: يسعهُ فيما بينَه وبين الله قتلُ الرَّجل إن كان ثيِّبًا، وعَلِم أنَّه نال منها ما يوجبُ الغُسل، ولكن لا يسقطُ عنه القودُ في ظاهر الحكمِ. وقال الدَّاوديُّ: الحديث دالٌّ على وجوب القودِ فيمن قتل رجلًا وجده مع امرأتهِ؛ لأنَّ الله ╡ وإن كان أَغْيَر من عبادِه، فإنَّه أوجب الشُّهود في الحدود، فلا يجوزُ لأحدٍ أن يتعدَّى حدودَ الله، ولا يسقط دمًا(5) بدعوى.
          وقال ابنُ حبيب: إن كان المقتول محصنًا، فالَّذي ينجِّي قاتله من القتلِ أن يُقيم أربعة شهداء أنَّه فعل بامرأتهِ، وإن كان غيرَ محصنٍ فعلى قاتلهِ القَوَد وإن أتى بأربعة شهداء.
          والحديث سبق في أواخر «النِّكاح»، في «باب الغَيرة» [خ¦68/107-7758].


[1] «وغارًا»: ليست في (ص).
[2] في (ع): «غيره».
[3] في (ص): «يشترك».
[4] في (د): «إذا».
[5] في (ب) و(س): «الدم».