إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: الولد لصاحب الفراش

          6750- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) هو ابنُ مُسَرهدٍ البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى) بنُ سعيد القطَّان (عَنْ شُعْبَةَ) بن الحجَّاج (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ) القرشيِّ الجمحيِّ مولاهم (أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ) ☺ ، يقول: (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: الوَلَدُ لِصَاحِبِ الفِرَاشِ) كذا في هذه الرِّواية، وللحديث سببٌ غيرُ قصَّة ابنِ زَمْعة، فقد أخرجه أبو داود وغيره من رواية حسين المعلِّم، عن عَمرو بن شُعيب، عن أبيهِ، عن جدِّه، قال: قامَ رجلٌ فقال لمَّا فتحت مكَّة: إنَّ فلانًا ابني، فقال النَّبيُّ صلعم :«لا دعوةَ في الإسلامِ ذهبَ أمرُ الجاهليَّةِ الولدُ للفراشِ وللعاهرِ الأَثْلَبُ» قيل(1): ما الأثلبُ؟ قال: «الحجرُ». وقد دلَّ حديث ابن زَمْعة على أنَّ الأَمَةَ تصير فراشًا بالوطء، فإذا اعترف السَّيِّد بوطءِ أمتهِ، أو ثبت ذلك بطريقٍ شرعيٍّ، ثمَّ أتت بولد لمدَّة الإمكان بعد الوطءِ لحقهُ من غير استلحاقٍ كما في الزَّوجة، لكنَّ الزَّوجة تصيرُ فراشًا بمجرَّد العقد، فلا يشترطُ في الاستلحاقِ إلَّا الإمكان؛ لأنَّها ترادُ للوطءِ، فجعل العقد عليها كالوطءِ، بخلاف الأَمَةِ فإنَّها تُراد لمنافع أخرى فاشتُرط في حقِّها الوطء، هذا قول الجمهور. وعن الحنفيَّة: لا تصيرُ الأمة فراشًا إلَّا إذا ولدت من السَّيِّد ولدًا ولحق به، فمهمَا ولدتْ بعد ذلك لحقه إلَّا أن ينفيه، وعن الحنابلة: من اعترفَ بالوطء فأتت منه لمدَّةِ الإمكانِ لحقَهُ، وإن ولدت منه أوَّلًا فاستلحقهُ لم يلحقْه ما بعده إلَّا بإقرارٍ مستأنَفٍ على الرَّاجح عندهم، ونُقِلَ عن الشَّافعيِّ رحمة الله تعالى عليه، أنَّه قال: إنَّ لقولهِ: «الولدُ للفراش» معنيين: أحدهما: هو له(2) ما لم ينفهِ، فإذا نفاهُ بما شُرِعَ له كاللِّعان انتفى عنه، والثَّاني: إذا تنازعَ ربُّ الفراشِ والعاهر، فالولدُ لربِّ الفراش.
          قال في «فتح الباري»: الثَّاني ينطبقُ على خصوصِ الواقعة، والأوَّل أعمُّ. قال: وحديث: «الولدُ للفراشِ» قال ابنُ عبد البرِّ‼: من أصحِّ ما يروى عن النَّبيِّ صلعم ، فقد جاء عن بضعة وعشرين نفسًا من الصَّحابة، والله الموفِّق.


[1] في (ع): «قال».
[2] قوله: «هو له» زيادة من الفتح.