إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر

          6749- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) أبو محمَّدٍ الدِّمشقيُّ، ثمَّ التِّنِّيسيُّ الكلاعيُّ الحافظُ قال: (أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) الإمامُ الأعظم (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمَّد بن مسلمٍ الزُّهريِّ (عَنْ عُرْوَةَ) بن الزُّبير (عَنْ عَائِشَةَ ♦ ) أنَّها (قَالَتْ: كَانَ عُتْبَةُ) بضم العين وسكون الفوقية وفتح الموحدة، ابنُ أبي وقَّاص (عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدٍ) اختُلف في صحبته، وجزم السَّفاقِسيُّ والدِّمياطيُّ بأنَّه(1) مات كافرًا، وقوله: «عَهِدَ» بفتح العين وكسر الهاء، أي: أوصاهُ (أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ) بفتح الواو وكسر اللَّام، أي: جارية زَمْعَة _بفتح الزاي وسكون الميم وقد تفتح_ ابن قيس، ولم تُسمَّ الوليدة. نعم ذكر مصعب الزُّبيريُّ وابنُ أخيه الزُّبيريُّ في «نسب قريشٍ»: أنَّها كانت أَمَةً يمانيَّةً. وأمَّا ولدُها فعبدُ(2) الرَّحمن (مِنِّي) أي: ابني (فَاقْبِضْهُ إِلَيْكَ) بكسر الموحدة (فَلَمَّا كَانَ عَامَُ الفَتْحِ) بنصبِ «عامَ» بتقدير «في»، وبالرَّفع اسم «كان» (أَخَذَهُ سَعْدٌ، فَقَالَ): هذا (ابْنُ أَخِي) عُتبة(3) (عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ) بتشديد الياء من «إليَّ» (فَقَامَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ، فَقَالَ:) هو (أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي) أي: جارية أبي زَمْعة (وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ) من أَمَتِهِ المذكورة، وقد كانت عادةُ الجاهليَّة إلحاق النَّسب(4) بالزِّنا، وكانوا يستأجرون الإماءَ للزِّنا، فمَن اعترفت الأمُّ أنَّه له لحقَ به(5)، ولم يقعْ إلحاقُ ابنِ وليدةِ زَمْعة في الجاهليَّة، وقيل: كانتْ مَوالي الوَلائِدِ يُخْرِجونهُنَّ(6) للزِّنا ويضربونَ‼ عليهنَّ الضَّرائبَ، وكانتْ وليدَةُ زَمْعة كذلك. قال في «الفتح»: والَّذي يظهرُ من سياقِ القصَّة أنَّها(7) كانَتْ أمَةً مُسْتَفرَشةً لزَمْعة فزَنى بها عتبةُ(8)، وكانتْ عادةُ الجاهليَّةِ في مثلِ ذلك أنَّ السَّيِّدَ إن استلحقَهُ لحقَهُ، وإنْ نفاهُ انتفَى عنه، وإنْ ادَّعاه غيرُهُ كان مردُّ ذلك إلى السَّيِّد أو القافَةِ، فظهرَ بها حمْلٌ كان يظنُّ أنَّه من عتبةَ فاختصمَ(9) فيها(10) (فَتَسَاوَقَا) أي: تماشَيا وتَلازما بحيث إنَّ كلًّا منهما كان كالَّذي يسوقُ الآخر (إِلَى النَّبِيِّ صلعم ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللهِ) هذا (ابْنُ أَخِي قَدْ كَانَ) أخِي عتبة (عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ) أنَّه ابنُه (فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ) هو (أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ) سقط قوله «فقال سعد...» إلى آخره لأبي ذرٍّ، (فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : هُوَ) أي: الولد (لَكَ يَا عَبْدَُ) بالضم ويفتح (ابْنَ زَمْعَةَ) بنصب «ابنَ» أي: هو أخوكَ إمَّا بالاستلحاقِ، وإمَّا بالقضاءِ بعلمهِ صلعم ؛ لأنَّ زَمْعة كان صهره، أو هو لك ملكًا لأنَّه ابنُ وليدةِ أبيهِ من غيره؛ لأنَّ زَمْعة لم يقرَّ به ولا شهدتْ(11)به القافةُ(12) عليه، والأصولُ تدفع قولَ ابنهِ فلم يبقَ إلَّا أنَّه عبدٌ تبعًا لأمِّه، قالهُ ابن جرير. وقال الطَّحاويُّ: معناه: هو بيدكَ تدفعُ بها غيرك حتَّى يأتِي صاحبه لا أنَّه مِلْكٌ لك بدليلِ أمر سودةَ بالاحتجابِ، ويؤيِّد الأوَّل رواية البخاريِّ في «المغازي» [خ¦4303]: «هو لكَ فهو أخوكَ يا عبدُ» لكن في «مسند أحمد» و«سنن النَّسائيِّ»: «ليس لك بأخٍ» لكن أعلَّها البيهقيُّ.
          وقال المنذريُّ: إنَّها زيادةٌ غير ثابتةٍ. وقال البيهقيُّ: معنى قوله: «ليسَ لك بأخٍ» أي: شبهًا، فلا يخالف قوله لعبدٍ: «هو أخوك».
          وقال في «الفتح»: أو معنى قولهِ: «ليس لك بأخٍ» بالنِّسبة للميراثِ من زَمْعة؛ لأنَّ زَمْعة مات كافرًا، وخلَّف عبدَ بن زَمْعة والولدَ المذكور وسودةَ، فلا حقَّ لسودةَ في إرثهِ بل حازهُ عبدٌ قبلَ الاستلحاقِ، فإذا استُلْحقَ الابنُ المذكورُ شاركَه في الإرثِ دونَ سودةَ، فلذا قال لعبدٍ: «هو أخوكَ». وقال لسودةَ: «ليس لك بأخٍ» (الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ) أي: لصاحبِ الفراش، فهو على حذف مضافٍ، أي: زوجًا كان أو مولى حرَّةٍ كانت أو أمةٍ (وَلِلْعَاهِرِ) وللزَّاني (الحَجَرُ) أي: لا حقَّ له في النَّسب، كقولهِم: له التُّراب / ، عبَّر به عن الخيبةِ، أي: لا شيءَ له، وقيل: معناه: وللزَّاني الرَّجم بالحجرِ، واستبعدَ بأنَّ ذلك ليسَ لجميعِ الزُّناة بل للمحصنِ بخلاف حملهِ على الخيبةِ فإنَّه على عمومهِ، وأيضًا الحديث إنَّما هو في نفي الولد عنه لا في رجمهِ (ثُمَّ قَالَ) صلواتُ الله وسلامُه عليه: (لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ)‼ أمِّ المؤمنين ♦ : (احْتَجِبِي مِنْهُ) أي: من عبد الرَّحمن استحبابًا للاحتياطِ (لِمَا رَأَى) بكسر اللَّام وتخفيف الميم، أي: لأجلِ ما رأى (مِنْ شَبَهِهِ) البيِّن (بِعُتْبَةَ، فَمَا رَآهَا) عبد الرَّحمن (حَتَّى لَقِيَ اللهَ) ╡.
          وفي الحديث: أنَّ الاستلحاقَ لا يختصُّ بالأبِ بل للأخِ أن يستلحقَ، وهو قول الشَّافعيَّة وجماعةٍ بشرطِ(13) أن يكون الأخُ حَائِزًا أو يُوافقَهُ باقي الورثةِ، وإمكانِ كونهِ من المذكورِ، وأن يكون يوافق على ذلك إنْ كان(14) بالغًا عاقلًا، وأنْ لا يكون معروفَ الأبِ.
          والحديث سبق في «البيوع» [خ¦2053] و«الوصايا» [خ¦2745] و«المغازي» [خ¦4303] ويجيء في «الأحكام» [خ¦7182] إن شاء الله تعالى بعون الله وقوَّته وكرمهِ(15).


[1] في (ب) و(س): «أنه».
[2] في (د): «عبد».
[3] «عتبة»: ليست في (د) و(ع)، وفي (ص) و(ل): «سعد».
[4] في (ص): «الولد».
[5] في (د) و(ع): «لحقه».
[6] في (ص) و(ع): «يخرجوهنَّ».
[7] في (ع): «إنما».
[8] في (د): «عقبة».
[9] في (ب): «فاختصما».
[10] في (س): «فيه».
[11] في (ص): «شهد».
[12] «به القافة»: ليست في (ص).
[13] في (د): «يشترط».
[14] في (د) و(ع): «وأن يكون».
[15] «إن شاء الله تعالى بعون الله وقوَّته وكرمه»: ليست في (د).