إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب: إذا أسلم على يديه

          ░22▒ هذا (بابٌ) بالتَّنوين: (إِذَا أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ) وللفَـِرَبْريِّ والأكثر ”رجلٌ“ وللكُشمِيهنيِّ: ”الرَّجل“ بالتعريف، والتَّنكير أولى، والمعنى: إذا أسلم رجلٌ على يدي رجلٍ (وَكَانَ الحَسَنُ) البصريُّ (لَا يَرَى لَهُ) أي(1): للَّذي أسلمَ على يديه (وِلَايَةً) بكسر الواو، ولأبي ذرٍّ: بفتحها، لغتان، ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”وَلاءهُ(2)“ بفتح الواو والهمزة بدل الياء وبالمدِّ، وهذا الأثر وصله سفيان الثَّوريُّ في «جامعه»، وأخرجه أبو بكر بنُ أبي شيبة عن وكيعٍ عن سفيان، ورواه الدَّارميُّ عن أبي نُعيم عن سفيان، وأخرج ابن أبي شيبة أيضًا من طريق يونس عن الحسنِ: «لا يرثه إلَّا إن شاء أوصى له بمالهِ».
          (وَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : الوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) / فخرج به من أسلمَ على يديهِ رجلٌ لما في الرِّواية الأُخرى: «إنَّما الولاءُ لمَن أَعْتق» كما لا يخفى. وسبقَ موصولًا قريبًا [خ¦6452].
          (وَيُذْكَرُ) بضم أوَّله وفتح ثالثهِ (عَنْ تَمِيمٍ) هو ابنُ أوس بنِ خارجة بنِ سواد اللَّخميِّ (الدَّارِيِّ) نسبة إلى بني الدَّار ابن لخمٍ، وكان من أهل الشَّأم أسلمَ سنة تسعٍ من الهجرة، وكان من أفاضلِ الصَّحابة وله مناقب، وفي العزمِ إفرادُها بالتَّأليف أعانَني الله على ذلك‼ وسلك بنا(3) أحسنَ المسالك (رَفَعَهُ) بالحركات، ولأبي ذرٍّ: ”رَفْعُه“ بسكون الفاء وضم العين، أي: رفع تميمٌ الحديثَ إلى النَّبيِّ صلعم ، وقد وصله البخاريُّ في «تاريخه»، وأبو داود، وابنُ أبي عاصمٍ، والطَّبرانيُّ، والباغنديُّ في «مسند عمر بن عبد العزيز» تأليفه(4)، كلُّهم من طريقِ عبد العزيزِ بن عمرَ بن عبدِ العزيز، قال: سمعت عبيدَ الله بن مَوْهب(5) يحدِّث(6) عمرَ بن عبد العزيز، عن قَبْيصةَ بن ذؤيبٍ، عن تميم الدَّاريِّ، أنَّه قال: قلتُ: يا رسولَ الله ما السُّنَّة في رجلٍ يسلِمُ على يدَي(7) رجلٍ من المسلمين؟ (قَالَ: هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ).
          قال البخاريُّ ☼ : (وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ هَذَا الخَبَرِ) قال بعضُهم: عن ابنِ موهب سمع تميمًا ولا يصحُّ؛ لقول النَّبيِّ صلعم : «الولاءُ لمن أَعتق»، وقال الشَّافعيُّ: هذا الحديث ليس بثابتٍ إنَّما يرويه عبدُ العزيز بن عمر، عن ابن مَوهب، وابن مَوهب ليس بالمعروفِ، ولا نعلمهُ لقي تميمًا، ومثل هذا لا يثبتُ. وقال التِّرمذيُّ: إسنادهُ ليس بمتَّصلٍ. قال: وأدخلَ بعضُهم بين ابن مَوْهب وبين تميمٍ قَبيصة، رواه يحيى بنُ حمزة، وقيل: إنَّه تفرَّد فيه بذكرِ قبيصةَ. ورواهُ أبو إسحاق السَّبيعيُّ بدون ذكرِ تميمٍ، أخرجه النَّسائيُّ.
          وقال ابنُ المنذرِ: الحديثُ مضطرب هل هو عن ابنِ مَوْهب عن تميم، أو بينهما قبيصة؟ وقال بعض الرُّواة فيه: عن عبد الله بن موهب، وبعضهم: ابن موهب، وعبد العزيز راويه(8) ليس بالحافظِ.
          قال في «الفتح»: هو من رجالِ البخاريِّ، كما في «الأشربة» [خ¦4616] لكنَّه ليس بالمُكثرِ، وأمَّا ابن مَوهب فلم يُدركْ تميمًا، وأشار النَّسائيُّ إلى أنَّ الرِّواية الَّتي وقع التَّصريح فيها بسماعهِ من تميمٍ خطأ، ولكنَّه وثَّقه بعضهم. نعم صحَّح هذا الحديث أبو زُرْعة الدِّمشقيُّ، وقال: إنَّه حديثٌ حسنٌ صحيحُ المخرَج ومتَّصلٌ، وجزمَ البخاريُّ في «التاريخ» بأنَّه لا يصلحُ لمعارضتهِ(9) حديث: «إنَّما الولاءُ لمن أعتق»، ويؤخذ منه أنَّه لو صحَّ لَمَا قاوم هذا الحديث وعلى التَّنزُّل، فيتردَّد في الجمع هل يُخَصُّ عموم الحديث المتَّفق على صحَّته بهذا فيُستثنى منه من أسلمَ، أو تؤوَّلُ الأولويَّةُ في قوله: «أولى النَّاس»، بمعنى: النَّصر والمعاونة وما أشبه ذلك لا بالميراثِ، ويبقى الحديث المتَّفق على صحَّته على عمومهِ، جنح الجمهورُ إلى الثَّاني وبه جزمَ ابن القصَّار. وقال أبو حنيفة وأصحابه: إنَّه يستمرُّ إن عقل عنه، وإنْ لم يعقلْ عنه، فله أن يتحوَّل عنه لغيرهِ، قاله في «فتح الباري».


[1] «أي»: ليست في (س).
[2] في (ب) و(س): «ولاء».
[3] في (س): «ذلك على».
[4] «تأليفه»: ليست في (د) و(ع).
[5] في (د) و(ص) و(ع): «وهب» وهو خطأ.
[6] في (ب) و(س) زيادة: «عن» وهو خطأ.
[7] في (س): «يد».
[8] تصحف في (ب): «روايه».
[9] في (س): «لمعارضة».