إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر

          48- وبالسَّند السَّابق إلى المصنِّف قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ) بالعينين والرَّاءين المُهمَلات، غير منصرفٍ للعلميَّة والتَّأنيث، ابن البِرِنْد؛ بكسر المُوحَّدة والرَّاء، أو بفتحهما وبسكون النُّون، البصريُّ، المُتوفَّى سنة ثلاث عشْرةَ ومئتين (قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج (عَنْ زُبَيْدٍ) بضمِّ الزَّاي وفتح المُوحَّدة وسكون المُثنَّاة التَّحتيَّة آخرُه دالٌ مُهملَةٌ، ابن الحارث بن عبد الكريم اليامِيِّ _بالمُثناَّة التَّحتيَّة وميمٍ خفيفةٍ مكسورة_ الكوفيِّ، المُتوفَّى سنة اثنتين وعشرين ومئةٍ (قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا وَائِلٍ) بالهمز بعد الألف، شقيقَ بن سلمة الأسديَّ، أسد خزيمة، الكوفيَّ التَّابعيَّ، المُتوفَّى سنة تسعٍ وتسعين أو سنة اثنتين وثمانين (عَنِ) المقالة المنسوبة للطَّائفة (المُرْجِئَةِ) بضمِّ الميم وكسر الجيم ثمَّ همزةٍ؛ نسبةً إلى الإرجاء، أي: التَّأخير؛ لأنَّهم أخَّروا الأعمال عن الإيمان حيث زعموا أنَّ مرتكب الكبيرة غير فاسقٍ، هل هم مصيبون فيها أو مخطئون؟ (فَقَالَ) أبو وائلٍ في جوابه لزُبَيْدٍ: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (عَبْدُ اللهِ) بن مسعودٍ ☺ (أَنَّ) أي: بأنَّ (النَّبِيَّ صلعم قَالَ: سِبَابُ) بكسر السِّين المُهمَلَة وتخفيف المُوحَّدة، مصدرٌ مُضَافٌ للمفعول، أي: شتم (المُسْلِمِ) والتَّكلُّم في عِرْضه بما يعيبه ويؤلمه (فُسُوقٌ) أي: فجورٌ وخروجٌ عن الحقِّ، ويُحتمل أن يكون على بابه من «المُفاعَلَة» أي: تشاتمهما فسوقٌ (وَقِتَالُهُ) أي: مقاتلته (كُفْرٌ) أي: فكيف يُحكَم بتصويب قولهم: إنَّ مرتكبَ الكبيرة غيرُ فاسقٍ، مع حكم النبيِّ صلعم على من سبَّ المسلم بالفسق، ومن قاتله بالكفر؟ وقد عُلِمَ بهذا خطؤهم، ومُطابقة جواب أبي وائلٍ لسؤال زُبَيْدٍ عنهم، وليس المُرَاد بالكفر هنا حقيقته التي هي: الخروج عن الملَّة، وإنَّما أطلق عليه الكفر مُبالَغَةً في التحذير، معتمدًا على ما تقرَّر من القواعد على عدم كفره بمثل ذلك، أو أطلقه عليه لشبهه به؛ لأنَّ قتال المسلم من شأن الكافر، أو المُرَاد: الكفر اللُّغويُّ؛ وهو: السَّتر؛ لأنَّه بقتاله له سَتَرَ ما له عليه من حقِّ الإعانة والنُّصرة وكفِّ الأذى.
          وفي هذا الحديث: تعظيمُ حقِّ المسلم، والحكم على من سبَّه بالفسق، ورجاله كلُّهم أئمَّةٌ أَجِلَّاء، ما بين بصريٍّ وواسطيٍّ وكوفيٍّ، مع التَّحديث إفرادًا وجمعًا، والعنعنة، وأخرجه أيضًا في «الأدب» [خ¦6044]، ومسلمٌ في «الإيمان»، والتِّرمذيُّ وقال: حسنٌ صحيحٌ، والنَّسائيُّ في «المُحارَبَة».