إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟

          6841- وبه قال: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ) بن أبي أُويس بن عبد الله، أبو عبد الله الأصبحيُّ، ابن أخت مالك وصهره على ابنته‼، قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (مَالِكٌ) الإمامُ الأعظم (عَنْ نَافِعٍ) مولى ابن عمر (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ☻ ) أَنَّهُ (قَالَ: إِنَّ اليَهُودَ) من خيبر، وذكر ابن العربيِّ عن الطَّبريِّ والثَّعلبيِّ عن المفسِّرين: منهم: كعب بن الأشرف وكعب بن أسعد وسعيد بن عمرو ومالك بن الصَّيف وكنانة بن أبي الحقيق وشاس بن قيس ويوسف بن عازوراء (جَاؤُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم ) في السَّنة الرَّابعة في ذي القعدة (فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا) لم يُسمَّ / وفتحت «أن» لسدِّها مسدَّ المفعول (مِنْهُمْ وَامْرَأَةً) تُسمَّى: بُسْرة _بضم الموحدة وسكون المهملة_ (زَنَيَا) وقوله: منهم، يتعلَّق بمحذوفِ صفةٍ لرجلٍ، وصفةُ المرأة محذوفةٌ لدَلالة ما تقدَّم عليه، فالتَّقدير(1): وامرأة منهم، ويجوز أن يتعلَّق «منهم» بحال من ضمير الرَّجل والمرأة في زنيا، والتَّقدير: أنَّ رجلًا وامرأةً زنيا منهم، أي: في حال كونهما من اليهود، وعند أبي داود من طريق الزُّهريِّ: سمعت رجلًا من مزينة ممَّن تتبَّع العلم، وكان عند سعيد بن المسيَّب يُحدِّث عن أبي هريرة قال: زنى رجلٌ من اليهود بامرأةٍ، فقال بعضُهم لبعضٍ: اذهبوا بنَا إلى هذا النَّبيِّ فإنَّه بُعث بالتَّخفيف، فإن أفتانَا بفُتيا دون الرَّجم قبلناهَا واحتججنَا بها عند الله، وقلنا: فتيا نبيٍّ من أنبيائك، قال: فأتوا النَّبيَّ صلعم وهو جالسٌ في المسجد في أصحابه، فقالوا: يا أبا القاسم ما ترى في رجلٍ وامرأةٍ منهم زنيا؟ (فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلعم : مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ) «ما» مبتدأ من أسماء الاستفهام، و«تجدون» جملةٌ في محلِّ الخبر، والمبتدأ والخبر معمولٌ للقول، وتقديرُ الاستفهام: أيُّ شيءٍ تجدونه في التَّوراة، فيتعلَّق حرف الجرِّ بمفعول ثانٍ «لتجدون»(2) (فِي شَأْنِ الرَّجْمِ)؟ إنَّما سألهم إلزامًا لهم بما يعتقدونهُ في كتابهم الموافق لحكمِ الإسلام إقامةً للحجَّة عليهم، وإظهارًا لما كتمُوه وبدَّلوه من حكم التَّوراة، فأرادوا تعطيلَ نصِّها ففضحَهم الله، وذلك إمَّا بوحي من الله إليه أنَّه موجودٌ في التَّوراة لم يغيَّر، وإما بإخبار من أسلم منهم كعبد(3) الله بن سلام كما يأتي (فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ) بفتح النون والمعجمة بينهما فاء ساكنة، أي: نجد أن نفضحهم ويجلدوا(4)، فيكون «نفضحُهم» معمولًا(5) على الحكاية لنجد المقدَّر، أي: ادَّعوا أنَّ ذلك في التَّوراة على زعمِهم وهم كاذبون، ويحتملُ أن يكون ذلك ممَّا فسَّروا به التَّوراة ويكون مقطوعًا عن الجواب، أي: الحكم عندنا أن نفضَحَهم ويُجلدوا، فيكون خبر مبتدأ محذوفٍ بتقدير: أن، وإنَّما أتى بأحد الفعلين مبنيًّا للفاعل، والآخر مبنيًّا للمفعول إشارةً إلى أنَّ الفضيحةَ موكولةٌ(6) إليهم وإلى اجتهادهم بكشف(7) مساوئهم. وفي رواية أيُّوب عن نافع في «التوحيد» [خ¦7543] قالوا: نُسخِّم وجُوههما ونُخْزِيهما. وفي رواية عبيد الله بن عمر: قالوا: نُسوِّد وجوهَهُما ونُحَمِّمُهُما ونُخَالف بين وجوهِهِما ويُطاف بهما (قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ) بتخفيف اللام: (كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ)‼ فَأْتُوا بالتوراة (فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا) أي: فتحوا التَّوراة وبسطوا (فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ) هو: عبد الله بن صوريا (يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ) منها (فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ: ارْفَعْ يَدَكَ. فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ) وقد وقع بيان ما في التَّوراة من آية الرَّجم في رواية أبي هريرة ولفظه: المحصن والمحصنة إذا زنيا فقامت عليهما البيِّنة رجما، وإن كانتِ المرأةُ حُبلى تربِّص بها حتَّى تضعَ ما في بطنِها. وعند أبي داود من حديث جابر: إنَّا نجد في التَّوراة إذا شهد أربعة أنَّهم رأوا ذكره في فرجِها مثل الميلِ في المُكْحلة رجمًا. زاد البزَّار من هذا الوجه: فإن وجدوا الرَّجل مع المرأة في بيتٍ، أو في ثوبها(8)، أو على بطنِها، فهي ريبة وفيها عقوبةٌ (قَالُوا: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ) وفي رواية البزَّار: قال _يعني: النَّبيَّ صلعم _: «فما منعَكُم أن تَرْجموهما(9)؟» قالوا: ذهبَ سلطانُنَا فكرهنَا القتلَ. وفي حديث البراء: نجد الرَّجم، ولكنَّه كَثُر في أشرافنَا، فكنَّا إذا أخذنا الشَّريف تركناهُ، وإذا أخذنَا الضَّعيف أقمنَا عليه الحدَّ، فقلنا: تعالوا نجتمعُ(10) على شيءٍ نقيمه على الشَّريف والوضيعِ، فجعلنا التَّحميم والجلد مكان الرَّجم (فَأَمَرَ بِهِمَا) بالزَّانيين (رَسُولُ اللهِ صلعم فَرُجِمَا). قال ابن عمر: (فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَحْنِي) بفتح التحتية وسكون الحاء المهملة وكسر النون بعدها تحتية، والرُّؤية بصريَّة فيكون «يحني» في موضعِ الحال، وقوله: (عَلَى المَرْأَةِ) يتعلَّق به، أي: يعطفُ عليها (يَقِيهَا الحِجَارَةَ) يحتمل أن تكون الجملة بدلًا من «يَحْني» أو حالًا أخرى، و«أل» في «الحجارةِ» للعهد، أي: حجارة الرَّمي، ولأبي ذرٍّ عن المُستملي والكُشمِيهنيِّ: ”يجْنَأ“ بجيم بدل الحاء المهملة وفتح النون بعدها همزة. قال ابنُ دقيق العيد: إنَّه الرَّاجح في الرِّواية، أي: أكبَّ عليها. وغرضُ المؤلِّف أنَّ الإسلام ليس شرطًا في الإحصان وإلَّا لم يرجمِ اليهوديين، وإليه ذهب الشَّافعيُّ وأحمدُ. وقال المالكيَّة / ومعظم الحنفيَّة: شرط الإحصان الإسلام. وأجابوا عن حديث الباب بأنَّه صلعم إنَّما رجمهما بحكم التَّوراة، وليس هو من حكم الإسلام في شيءٍ، وإنَّما هو من باب تنفيذ الحكمِ عليهم بما في كتابهِم، فإنَّ في التَّوراة الرَّجم على المحصنِ وغير المحصن. وأُجيب بأنَّه كيف يحكمُ عليهم بما لم يكنْ في شرعهِ مع قولهِ تعالى: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ}[المائدة:49] وفي قولهِم: إنَّ(11) في التَّوراة الرَّجم على مَن لم يحصن، نظرٌ لما تقدَّم من رواية: المحصَن والمحصنة... إلى آخره، ويؤيِّده أنَّ الرَّجم جاء ناسخًا للجلد(12) كما تقدَّم تقريره، ولم يقل أحدٌ أنَّ الرَّجم شُرع ثمَّ نُسخ بالجلد، وإذا كان أصل الرَّجم باقيًا منذ شرع، فما حكم عليهما بالرَّجم بمجرَّد حكم التَّوراة بل بشرعه‼ الَّذي استمرَّ حكم التَّوراة عليه.
          والحديث سبق في «باب علامات النُّبوَّة» [خ¦3635].


[1] في (س): «والتقدير».
[2] في (ع) و(د): «لوجد».
[3] في (ع) و(ص) و(د): «عبد».
[4] في (ع) و(ص) و(د) هنا وفي الموضع التالي: «يجلدون».
[5] في (د): «معمول».
[6] في (ع) و(ص) و(د): «موكلة».
[7] في (س): «أي: نكشف».
[8] في (ب) و(س): «ثوب».
[9] في (ل): «فما منعكما».
[10] في (د): «نجمع».
[11] في (س): «وإن».
[12] في (ص): «للحد».