تحفة الباري بشرح صحيح البخاري

باب: في الركاز الخمس

          ░66▒ (بَابُ فِي الرِّكَازِ الخُمْسُ(1)) جعلَ فيه الخُمس لا نصفَ العُشر لسهولة أخذه، ولأنَّه مال كافر فنزل واجده منزلة الغانم، فله أربعة أخماسه. (وابْنُ إِدْرِيْسَ) هو الإمام الشَّافعيُّ صاحبُ المذهبِ، وقيل: عبد الله بن إدريس الأَوديُّ الكُوفيُّ.
          (دِفْنُ الجَاهِلِيَّةِ) بكسر الدَّال وسكون الفاء أي مدفونها، كذِبْحٍ بمعنى مذبوح، وبالفتح مصدر بمعنى المفعول، مثل: الدِّرهمُ ضَرْبُ الأمير، وهذا الثَّوبُ نَسْجُ اليمن. (فِيْ قَلِيْلِهِ وَكَثِيْرِهِ الخُمُسُ) هو قولٌ قديمٌ عند الشَّافعيِّ، وعليه الأئمة الثَّلاثة، والجديد اشتراطُ النِّصاب، إمَّا منه فقط أو منه مع ما عند واجده من جنسه.
          (وَلَيْسَ المَعْدِنُ بِرِكَازٍ) و(2) هو بكسر الدَّال مكان من الأرض يخرج منه شيء من الجواهر، ويقال أيضًا لما يخرج منه، وهو المراد هنا، أي ليس بركاز حتَّى يجب فيه الخمس لاحتياج استخراجه إلى مؤنة بل يجب فيه ربع العشر، كما في المال(3) الحاصل عنده.
          (فِي المَعْدِنِ جُبَارٌ) بضمِّ الجيم وتخفيف الموحدة، أي إذا حفر معدنًا في ملكه، أو في موات فوقع فيه غيره، أو اكتراه لعمل فيه فمات، فموته بذلك هَدَرٌ غير مضمون، وليس المراد أنه لا زكاة فيه. (مَا كَانَ مِنَ رِكَازٍ) إلى آخره ما ذكره الحسن من التَّفرقة(4) الَّتي ذكرها غريب، وقوله: (مِنْ أَرْضِ السِّلْمِ) بكسر السِّين وسكون اللَّام، أي(5) من دار الإسلام ودار العهد والأمان، وفي نسخة: <من أرض المسلم>. (وَإِنْ وُجِدَتِ اللُّقَطَةُ) إلى آخره من كلام الحسن(6)، وفي نسخة: <وإن وجدت لقطةٌ> بالتَّنكير، وقوله: (وَإِنْ كَانَتْ مِنَ العَدُوِّ) أي من ماله، وفيه ما قدمته.
          (وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ) هو الإمام أبو حنيفة، ويحتمل أن يكون غيره. (المَعْدِنُ رِكَازٌ مِثْلَ دِفْنِ الجَاهِلِيَّةِ) أي فيجب فيه الخُمس عنده، وعلَّله بقوله: (لِأَنَّهُ) أي الشَّأن. (يُقَالُ: أَرْكَزَ) بالبناء / للفاعل، وهو المَعْدِنُ، وفسَّر إركازه بقوله: (إِذَا خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ) في نسخة: <أُخْرِجَ> بالبناء للمفعول بدل (خَرَجَ).
          (قِيْلَ لَهُ) أي لبعض النَّاس إلزامًا له. (قَدْ يُقَالُ لِمَنْ(7) وُهِبَ لَهُ شَيْءٌ أَوْ رَبِحَ رِبْحًا كثيرًا، أَوْ كَثُرَ ثَمَرَهُ: أَرْكَزْتَ) بتاء الخطاب، أي فيلزم أن يُقال كلُّ واحد من الموهوب والرِّبح والثَّمر ركاز، ويقال لصاحبه: أركزت، ويجب فيه الخمس، لكنِ الإجماعُ على خِلافِهِ، وأنَّه ليس فيه إلا ربع العشر، وإن كان يقالُ فيه: أَرْكزَ، فالحكمُ مختلفٌ، وإن اتَّفقت التَّسمية ثُمَّ ألزمه ثانيًا بقوله: (ثُمَّ ناقضَ) نفسه، حيث قال أولًا: المعدن ركاز، ففيه الخُمُس، وقال(8) ثانيًا: لا بأسَ أن يكتُمَه، أي عن السَّاعي.
          (فَلَا يُؤدِّي الخُمُسَ) أي في الرِّكاز، وهو عنده شامل للمعدن، واعترض ابنُ بطَّال هذه المناقضة بأنَّ الَّذي أجاز أبو حنيفة كتمانه إنَّما هو إذا كان محتاجًا إليه، بمعنى أنَّه تأوَّل(9) أنَّ له حقًّا في بيتِ المالِ، ونصيبًا في الفيءِ، فأجازَ لهُ أن يأخذ الخمس لنفسه عوضًا عن ذلك، لا أنَّه أسقط الخمسَ عن المعدن(10) بعد ما أوجبه فيه.


[1] في (ط): ((الركاز في الخمس)).
[2] قوله: ((و)) ليس في (ع) و(ط)و (د).
[3] قوله: ((المال)) ليس في (ط).
[4] في (ط): ((تفرقة)).
[5] في (ط): ((أو)).
[6] قوله: ((إلى آخره من كلام الحسن)) مكرر في (ح).
[7] في (ط): ((من)).
[8] قوله: ((قال)) ليس في (ط).
[9] في (ع) و(ط)و (د): ((يتأول)).
[10] في (د): ((العدد)).