التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث البراء: وكان عندهم ضيف لهم فأمر أهله أن بذبحوا

          6673- قوله: (كَتَبَ إِلَيَّ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ...) إلى آخره: اعلم أنِّي لا أستحضرُ أنَّ البُخاريَّ نفسَه روى بالمكاتبة في «صحيحه» إلَّا هذا الحديثَ، وأمَّا المكاتبة في أثناء السند؛ فكثيرٌ، وقد قَدَّمْتُ أنَّ الكتابةَ قسمان؛ أحدهما: الكتابة المقرونة بالإجازة، بأن يكتب إليه ويقول: أجزتُ لكَ ما كتبته، ونحو ذلك، وهي شبيهةٌ بالمناولة المقرونةِ بالإجازة في الصِّحَّة والقوَّة، والقسم الثاني: الكتابة المجرَّدة عن الإجازة كهذه؛ لأنَّه لو أجاز له معها؛ لنبَّه عليه البُخاريُّ، وهي صحيحةٌ تجوز الرواية بها على الصحيح المشهور بين أهل الحديث، وهو عندهم معدودٌ في المسندِ الموصولِ، وهو قولُ كثيرٍ من المتقدِّمين والمُتَأخِّرين؛ منهم: أيُّوب السَّخْتيَانيُّ، ومنصور، والليث بن سعد، وغير واحد من الشَّافِعيِّين؛ منهم: أبو المظفَّر السَّمعانيُّ وجعلها أقوى من الإجازة، وإليه صار جماعةٌ من الأصوليِّين؛ منهم: صاحب «المحصول»، وفي «البُخاريِّ» و«مسلمٍ» أحاديثُ من هذا النوع، ولكنَّ هذا أوَّلُ مكانٍ حدَّث فيه البُخاريُّ نفسُه بالمكاتبة؛ فلهذا ذكرتُ ذلك هنا، وقد قدَّمتُه أيضًا، لكنَّ ما تَقَدَّمَ المكاتبةُ فيه بعد البُخاريِّ، وقد منع صِحَّةَ ذلك قومٌ آخرون، وبه قطع الماورديُّ في «الحاوي»، وقال الآمديُّ: (لا يرويه إلَّا بتسليطٍ من الشيخ؛ كقوله: «فاروِه عنِّي» أو «أجزت لك روايتَه») ولكن إذا بدأ الطالب بالمكاتبة للشيخ، وقال له: اكتب إليَّ ما سمعتَ من فلان، أو نحو ذلك؛ فالذي يظهر لي أنَّه كالإجازة؛ لأنَّه التمسَ منه ذلك، ولم أرَ هذه منقولةً، وهي ظاهرةٌ، وقد قدَّمتها، وقد ذهب أبو الحسن بن القَطَّان إلى انقطاع الرواية بالكتابة، وردَّ ذلك عليه أبو عبد الله بن المَوَّاق، والله أعلم [خ¦637].
          وقد أخرج هذا الحديثَ البُخاريُّ في (العيدين) [عن آدم و] عن سليمان بن حرب [خ¦965] [خ¦968]، وفي (العيدين) و(الأضاحي) عن حجَّاج بن منهال [خ¦951] [خ¦5560]، وفي (الأضاحي) عن بُنْدَار عن غُنْدَُر [خ¦5545]؛ أربعتهم عن شعبة، وفي (العيدين) عن أبي نُعَيم عن مُحَمَّد بن طلحة؛ كلاهما عن زُبَيد [خ¦976]، وفي (الأضاحي) عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة عن فراس، وعن مسدَّد عن خالد عن مُطرِّف [خ¦5563] [خ¦5556]، وفي (العيدين) عن عثمان عن جَرير، وعن مسدَّد عن أبي الأحوص؛ كلاهما عن منصور [خ¦955] [خ¦983]، وهنا عن مُحَمَّد بن بَشَّار عن معاذ بن معاذ عن ابن عون؛ خمستهم عن عامر بن شَراحيل عن البراء به، والله أعلم.
          و(ابْنُ عَوْنٍ): عبد الله بن عون بن أرطبان، لا ابن أميرِ مصر، هذا الثاني ليس له في «البُخاريِّ» شيءٌ، إنَّما روى له مسلمٌ والنَّسائيُّ، و(الشَّعْبِيُّ): عامر بن شَراحيل، تَقَدَّمَ.
          قوله: (قَالَ: قَالَ البَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَكَانَ عِنْدَهُمْ ضَيْفٌ): قال بعض الحُفَّاظ المُتَأخِّرين من المصريِّين: (كذا وقع، والصواب أنَّ البراء روى ذلك عن أبي بُردة بن نِيَار خالِه، والضيف لم يُسَمَّ)، انتهى، وما قاله حسنٌ صحيحٌ، والحديث أخرجه البُخاريُّ، ومسلمٌ، وأبو داود، والتِّرْمِذيُّ، والنَّسائيُّ [خ¦955] [خ¦6673]، وقد طرَّفه المِزِّيُّ من «أبي داود»، فقال: أبو داود في (الأضاحي) عن مسدَّد، عن أبي الأحوص به، وعن مسدَّد عن خالد به مختصرًا: (ضحَّى خالٌ لي يُقال له: أبو بردة قبل الصلاة)، ولم يذكر أوَّل الحديث، انتهى، فهذا يرشد إلى أنَّ المضحِّيَ أبو بُردة، والله أعلم.
          قوله: (كَانَ عِنْدَهُمْ ضَيْفٌ): هذا الضَّيف لا أعرفه، وتَقَدَّمَ أعلاه أنَّه لم يُسمَّ.
          قوله: (أَنْ يُعِيدَ الذَِّبْحَ(1)): في أصلنا بكسر الذَّال وفتحها بالقلم، وكُتِب عليها (معًا)، فالكسر معناه: المذبوح، وهذا هو الظَّاهر، وبه قَيَّدهُ الشيخ محيي الدِّين النَّوَويُّ، وكذا قَيَّدهُ شيخُنا، ونقله أيضًا عن ابن التين، وأمَّا الفتح؛ فهو المصدر، لكنَّ معناه هنا غيرُ ظاهرٍ إلَّا بتقديرٍ، والله أعلم، وقد ذكرته في (العيدين) [خ¦984]، والظَّاهر الكسر، والله أعلم.
          قوله: (عَنَاقٌ جَذَعٌ): هما مرفوعان منوَّنان، وقد تَقَدَّمَ ما (العَنَاق) [خ¦955].
          قوله: (فَكَانَ(2) ابْنُ عَوْنٍ): تَقَدَّمَ أنَّه عبد الله بن عون بن أرطبان، لا ابن أمير مصر.
          قوله: (رَوَاهُ أَيُّوبُ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ): أمَّا (أيُّوب)؛ فهو ابن أبي تميمة السَّخْتيَانيُّ، و(ابن سيرين): مُحَمَّد، وقد تَقَدَّمَ عدد بني سيرين وبناته في أوَّل هذا التعليق [خ¦67] [خ¦23/14-1988]، وما رواه أيُّوب عن ابن سيرين مُحَمَّدٍ عن أنس أخرجه البُخاريُّ في (صلاة العيد)، وفي (الأضاحي) عن مسدَّد [خ¦954]، وفي (الأضاحي) عن عليِّ بن عبد الله [خ¦561]، وصدقة بن الفضل [خ¦5549]، فرَّقهم؛ ثلاثتهم عن إسماعيل ابن عُلَيَّة، وفي (صلاة العيد) عن حامد بن عمر عن حَمَّاد بن زيد؛ كلاهما عن أيُّوب عنه به [خ¦984]، وأخرجه مسلمٌ، والنَّسائيُّ، وابن ماجه.


[1] كذا في (أ) و(ق)، وفي «اليونينيَّة» بالفتح فقط.
[2] كذا في (أ) و«اليونينيَّة»، وفي (ق): (وكان)