التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب قول الله تعالى: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم}

          قوله: (بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ}[الأنعام:109]): قال ابن المُنَيِّر بعد أن ذكر ما في الباب على عادته: (مقصوده من هذا الباب _والله أعلم_ الردُّ على مَن لم يجعل القَسَم بصيغةِ «أُقْسِم بالله» يمينًا منعَقِدةً؛ كالشَّافِعيِّ، وكمالكٍ في قوله: إنَّها ليست يمينًا حتَّى يذكرَ معها اسمَ الله أو ينوي، فذكر البُخاريُّ الآيةَ وقد قرن القَسَمَ فيها بالله، ثُمَّ بيَّن أنَّ هذا الأمر ليس شرطًا بالأحاديث، فإنَّه جعل هذه الصيغةَ بمجرَّدها يمينًا تتَّصف بالبرِّ(1) من غير الحالف، وهو المحلوف عليه)، انتهى ما عزاه الإمام ابن المُنَيِّر إلى الشَّافِعيِّ، وفيه تفصيلٌ ذكره الشَّافِعيَّة في كُتُب الفروع.
          تنبيهٌ: اختلف الفقهاء؛ إذا أقسم الشخص على شخصٍ، فحَنِثَ؛ فرُوِيَ عن ابن عمر: أنَّ الحالفَ يُكَفِّر، ورُويَ مثلُه عن عطاء وقتادة، وهو قولُ أهل المدينة والعراق والأوزاعيِّ، وفيه قولٌ ثانٍ: أنَّ الكفَّارة تجب على المُقسَم عليه، وفيه حديثٌ عن عائشة ♦ لا يثبت، قاله ابن المنذر، وفيه قولٌ ثالثٌ: رُوِيَ عن أبي هريرة وعُبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: أنَّهما لم يجعلا في ذلك كفَّارةً، / قال عُبيد الله: ألا ترى الصِّدِّيق قال ما قال؟ فقال الشارع: «لا تُقْسِم»، قال: ولم يبلغنا أنَّه أمره بالتكفير، هذا ملخَّصٌ من كلامِ شيخِنا.
          قوله: (فَوَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ؛ لَتُحَدِّثَنِّي بِالَّذِي أَخْطَأْتُ): وكذا في «مسلم» في جميع نسخه، قال القاضي عياض حين ذكر الحديث: (وفيه: أنَّ مَن قال: أُقْسِم لا كفَّارة عليه؛ لأنَّ أبا بكر ☺ لم يَزِد على قوله)، وهذا الذي قاله القاضي فيه نظرٌ؛ لما ذكرتُه من عند مسلم، وما هو مذكورٌ في «البُخاريِّ»، والله أعلم، وقد تعقَّب القاضيَ الشيخُ محيي الدين النَّوَويُّ في «شرح مسلم»، فقال: (وهذا الذي قاله القاضي عجيبٌ، فإنَّ الذي في جميع نسخ «مسلم» أنَّه قال: (فوالله يا رسولَ الله؛ لَتُحدِّثنِّي)، فهذا صريحٌ بيمينٍ، وليس فيه: أُقْسِم، والله أعلم).
          قوله: (لَتُحَدِّثَنِّي بِالَّذِي أَخْطَأْتُ، قَالَ: «لَا تُقْسِمْ»): سيأتي الكلام في الذي أخطأ فيه الصِّدِّيقُ، والاختلاف في مكان الخطأ، في (كتاب الرؤيا) إن شاء الله تعالى [خ¦7046].


[1] في (أ): (بأكثر)، وهو تحريف، والمثبت من مصدره.