التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب من مات وعليه نذر

          قوله: (وَأَمَرَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَةً جَعَلَتْ [أُمُّهَا] عَلَى نَفْسِهَا صَلَاةً بِقُبَاءٍ): هذه المرأة لا أعرفها ولا أمَّها، و(قُباء): تَقَدَّمَت مرارًا بِلُغَاتها؛ وهو المدُّ والقصر، والتأنيث والتذكير، والصرف وعدمه [خ¦403].
          تنبيهٌ: ما أفتى به ابنُ عمر وابنُ عَبَّاس؛ فاعلم أنَّ مذهبَ الشَّافِعيِّ وجماهيرِ العلماء _كما قاله الشيخ محيي الدين في «شرح مسلم»_: أنَّه لا يصل ثوابُها إلى الميِّت، إلَّا إذا كان الصوم واجبًا على الميِّت فقضاه وليُّه أو من أَذِن له الوليُّ؛ فإنَّ فيه قولَين للشافعيِّ؛ أشهرهما عنه: أنَّه لا يصحُّ، وأصحُّهما عند محقِّقي متأخِّري أصحابِه: أنَّه يصحُّ، انتهى، واختار العلَّامة تقيُّ الدين السُّبكيُّ عليُّ بن عبد الكافي: أنَّ الوليَّ يُصلِّي عنه، وقد رأيت في كلام بعض الناس: أنَّ ما أفتى به ابنُ عمر وابنُ عَبَّاس لا يُعرَف لهما مخالفٌ من الصحابة، انتهى.
          وقد حكى صاحب «الحاوي الكبير» عن عطاء بن أبي رَباح وابنِ راهويه: أنَّهما قالا بجواز الصلاة عن الميِّت، واختاره أبو سعد عبدُ الله بن مُحَمَّد بن هبة الله بن أبي عصرون في «الانتصار»، وقال البغويُّ في «تهذيبه»: (لا يبعد أن يُطعَم عن كلِّ صلاة مدٌّ من طعام)، قال النَّوَويُّ: (وكلُّ هذه المذاهب ضعيفةٌ)، انتهى.
          ويصحُّ الحجُّ عنه، وفي الاعتكاف قولٌ للشافعيِّ، وأمَّا قراءة القرآن؛ فالمشهور من مذهب الشَّافِعيِّ أنَّه لا يصل ثوابُها إلى الميِّت، وقال بعض أصحابه: يصل، وذهب جماعةٌ من العلماء إلى أنَّه يصل إلى الميِّت ثوابُ جميع العبادات؛ من الصلاة، والصوم، والقراءة، وغير ذلك، وأمَّا الصدقة؛ فتصل بلا خلاف، وكذا حُكِيَ في الدعاء الإجماعُ أنَّه يصل.
          تنبيهٌ: ما حكاه الماورديُّ في «الحاوي» عن بعض أصحاب الكلام من أنَّ الميِّتَ لا يلحقه بعدَ موته ثوابٌ؛ فهذا مذهبٌ باطلٌ قطعًا، وخطأٌ بيِّنٌ مخالِفٌ لنصوص الكتابِ والسُّنَّةِ وإجماعِ الأمَّة، فلا التفاتَ إليه، ولا تعريجَ عليه، انتهى، والذي يظهر ما قاله جماعةٌ من العلماء: إنَّ ثواب جميع العبادات يصل إلى الميِّت، والله أعلم.