التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب: لا يقول ما شاء الله وشئت وهل يقول أنا بالله ثم بك

          قوله: (بَابٌ: لَا يَقُولُ: مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ، وَهَلْ يَقُولُ: أَنَا بِاللهِ ثُمَّ بِكَ؟): اعلم أنَّه ذكر فيها حديثًا معلَّقًا عن شيخه عمرو بن عاصم لشقِّ الترجمة الثاني، وقد قَدَّمْتُ مرارًا أنَّ البُخاريَّ إذا قال: (قال فلانٌ)، وفلانٌ المسندُ إليه القولُ شيخُه كهذا؛ فإنَّه يكون كـ (حدَّثنا)، غير أنَّ الغالبَ أخْذُهُ ذلك عنه في حال المذاكرة [خ¦142]، وقد أسنده في (بني إسرائيل) فقال: حدَّثنا أحمد بن إسحاق: حدَّثنا عَمرو بن عاصم، وحدَّثنا مُحَمَّد: حدَّثنا عبد الله بن رجاء؛ قالا: حدَّثنا همَّام بالسند هنا [خ¦3464]، وأمَّا شقُّها الأوَّل؛ فلم يذكر فيه حديثًا، وفيه حديثُ قُتيلةَ الجُهنيَّةِ في «النَّسائيِّ»، ولفظها: أنَّ يهوديًّا أتى النَّبيَّ صلعم فقال: إنَّكم تندِّدون، وإنَّكم تشركون تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبةِ، فأمرهم النَّبيُّ صلعم إذا أرادوا أن يحلفوا؛ أن يقولوا: وربِّ الكعبة، ويقولَ أحدُهم: ما شاء الله ثُمَّ شئت، وفي الباب حديثُ حذيفة في «أبي داود» [خ¦4980]، أمَّا حديث قُتَيلةَ؛ ففي سنده عبد الله بن يسار الجهنيُّ لم يخرِّج له البُخاريُّ ومسلمٌ شيئًا، إنَّما أخرج له أبو داود والنَّسائيُّ، وهو ثقةٌ، وأمَّا حديث أبي داود؛ فلفظه: «لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثُمَّ شاء فلانٌ»، في سنده عبد الله المذكور، وقد تَقَدَّمَ أنَّه لم يخرِّج له البُخاريُّ ومسلمٌ شيئًا، فلمَّا لم يكن هذا على شرطه؛ أشار إلى الحكم في الترجمة، وأخرج الذي على شرطه، وهو يعطي المعنى المقصودَ الذي ليس على شرطه، والله أعلم، وقال شيخُنا: (قال المهلَّبُ: إنَّما أراد البُخاريُّ أن يجيزَ «ما شاء الله ثُمَّ شئت» استدلالًا من قوله ◙ في حديث أبي هريرة: «فلا بلاغَ لي اليومَ إلَّا بالله ثُمَّ بك» [خ¦6653])، انتهى، وإنَّما امتنع (ما شاء الله وشئت)؛ لأنَّ الواو للتشريك بين المشيئَتَين، بخلاف (ثُمَّ)، فإنَّه يُقَدِّمُ مشيئةَ الله على مشيئةِ خَلْقه، والله أعلم.