شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الوتر على الدابة

          ░5▒ باب: الْوِتْرِ على الدَّابَّةِ.
          فيه: سَعِيدٌ(1) أَنَّهُ قَالَ: (كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، فَلَمَّا خَشِيتُ الصُّبْحَ نَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ، ثُمَّ لَحِقْتُ ابن عُمَر فَقَالَ(2) لي: أَيْنَ كُنْتَ؟ فَقُلْتُ: خَشِيتُ الصُّبْحَ فَنَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ، فَقَالَ ابْن عُمَر: أَلَيْسَ لَكَ فِي رَسُولِ اللهِ صلعم إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ؟ فَقُلْتُ: بَلَى وَاللهِ، قَالَ: فَإِنَّ(3) رَسُولَ اللهِ صلعم كَانَ يُوتِرُ على الْبَعِيرِ). [خ¦999]
          قال الطَّبريُّ: هذا الحديث حجَّة على أبي حنيفة في إيجابه الوتر لأنَّه لا خلاف بين الجميع أنَّه غير جائزٍ لأحدٍ أن يصلِّي مكتوبةً راكبًا في غير حال العذر، ولو كان الوتر فرضًا ما صلَّاهُ صلعم(4) راكبًا بغير(5) عذرٍ. فإن قال قائلٌ: فقد روى(6) مجاهدٌ أنَّه قال: صحبت ابن عمر فكان لا يزيد في السَّفر على ركعتي المكتوبة، ويُحيي اللَّيل صلاةً على ظهر الدَّابة، وينزل قبل الفجر فيوتر بالأرض، وقال إبراهيم: كانوا يصلُّون على إبلهم حيث كانت وجوههم إلَّا المكتوبة والوتر.
          قيل: لا حجَّة في فعل ابن عمر لأبي حنيفة لأنَّه يجوز أن ينزل للوتر طلبًا للفضل لا أنَّ ذلك كان عنده الواجب لأنَّه قد صحَّ عن ابن عمر أنَّه كان يوتر على بعيره، ذكره ابن المنذر عنه، وهو معنى ما ذكره البخاريُّ عنه، وكان يفعل ذلك عليٌّ وابن عبَّاسٍ أيضًا وعن عطاءٍ مثله.
          فإن قيل: فما وجه نزول ابن عمر في ذلك؟ قيل: لمَّا كان عند ابن عمر من صلاة التَّطوع وكان المتطوِّع بها مخيَّرًا(7) في عملها إن شاء راكبًا وإن شاء بالأرض(8) كان يوتر أحيانًا راكبًا وأحيانًا بالأرض، وهذا وجه فعل ما(9) ذكره النَّخَعِيُّ عنه، وهذا كلُّه حجَّة على الكوفيِّين.
          قال(10) الطَّحاويُّ: ذكر عنهم أنَّ الوتر لا يُصلَّى على الرَّاحلة، وهو خلاف للسُّنَّة الثَّابتة، وقال مالكٌ والثَّوريُّ(11) والأوزاعيُّ واللَّيث والشَّافعيُّ وأحمد وأبو ثورٍ: يُصلِّي الوتر على الرَّاحلة اتِّباعًا لهذا الحديث.


[1] زاد في (م) و(ق): ((بن يسار)).
[2] في (ق): ((قال)).
[3] في (ص): ((فقال إن)).
[4] في (ص): ((ما صلَّاه الرسول)).
[5] في (م) و (ق): ((لغير)).
[6] في (م) و (ق): ((قد روي عن)).
[7] في (ص): ((مخير)).
[8] في (ص): ((نازلًا)).
[9] في (م) و(ق): ((من)).
[10] في (م) و (ق): ((فإن)).
[11] قوله: ((والثوري)) ليس في (ص).