شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: ليجعل آخر صلاته وترًا

          ░4▒ باب: لِيَجْعَلْ آخِرَ صَلاتِهِ وِتْرًا.
          فيه: ابْنُ عُمَرَ: (أن النَّبِيَّ صلعم قَالَ: اجْعَلُوا آخِرَ صَلاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا). [خ¦998]
          اختلف(1) السَّلف في وجوب الوتر، فرُوي عن عليِّ بن أبي طالبٍ وعبادة بن الصَّامت أنَّه سنَّة، وعن سعيد بن المسيِّب والحسن والشَّعبيِّ وابن شهابٍ مثله، وهو قول مالكٍ والثَّوريِّ واللَّيث وأبي يوسف ومحمَّد والشَّافعيِّ وعامَّة الفقهاء.
          وقالت طائفةٌ: الوتر واجبٌ على أهل القرآن دون غيرهم(2)، لقوله صلعم: ((أَوتِروا يا أَهلَ القُرآنِ))، / رُوي ذلك عن ابن مسعودٍ وحذيفة وهو قول النَّخَعِيِّ، وقالت طائفةٌ: هو واجبٌ لا يسوغ(3) تركه، رُوي ذلك عن أبي أيوب(4) الأنصاريِّ وهو قول أبي حنيفة، وهو أنَّه(5) صلعم أمر بالوتر وأمره على الوجوب، وبقوله: ((الوِتْرُ حقٌّ))، و ((مَنْ(6) لم يوتِر فليسَ منَّا)).
          وقال الطَّبريُّ: الصَّواب(7) قول من جعله سنَّة لإجماع الجميع أنَّ عدَّة(8) الصَّلوات المفروضات خمسٌ، ولو كان الوتر فرضًا لكانت ستًّا، ولكان وتر صلاة اللَّيل إحدى(9) السِّتِّ كما وتر صلاة النَّهار(10) إحدى الخمس، فدلَّ على اختلاف حكم وتر صلاة اللَّيل وحكم وتر(11) صلاة النَّهار في أنَّ أحدهما فرضٌ والثَّاني نافلةٌ.
          وقوله: ((الوِتُر حقٌّ)) معناه حقٌّ في السُّنَّة، وقوله: ((مَنْ(12) لم يوتِر فليسَ منَّا)) يقتضي التَّرغيب فيه، ومعناه ليس(13) بآخذٍ بسُنَّتنا(14) ولا مُقْتَدٍ بنا، كما قال: ((ليسَ منَّا مَنْ لم يَتغَنَّ بالقرآنِ)) ولم يُرد إخراجه من الإسلام.
          واختلف العلماء فيمن(15) أوتر ثمَّ نام ثمَّ قام فصلَّى، هل يجعل آخر صلاته وترًا أم لا؟ فكان ابن عمر إذا عرض له ذلك صلَّى ركعةً واحدةً في ابتداء قيامه أضافها إلى وتره ينقضه بها، ثمَّ يصلِّي مثنى مثنى ثمَّ يوتر بواحدةٍ، رُوي ذلك عن سعدٍ وابن عبَّاسٍ وابن مسعودٍ وبه قال إسحاق، وممَّن رُوي عنه أنَّه يشفع وتره: عثمان وعليُّ بن أبي طالبٍ، وعن عَمْرو بن ميمونٍ وابن سيرين مثله(16).
          وكانت طائفةٌ لا ترى نقض الوتر، رُوي عن أبي بكرٍ الصِّدِّيق أنَّه قال: أمَّا أنا، فإنِّي أنام على وترٍ، فإن استيقظت صلَّيت شفعًا حتَّى الصَّباح، ورُوي مثله عن عمَّار وسعدٍ وابن عبَّاسٍ، وقالت عائشة في الَّذي ينقض وتره: هذا يلعب بوتره، وقال الشَّعبيُّ: أُمرنا(17) بالإبرام ولم نُؤمر(18) بالنَّقض، وكان لا يرى نقض الوتر علقمةُ، ومكحول والنَّخعيُّ(19) والحسن، وهو قول مالكٍ والأوزاعيِّ والشَّافعيِّ وأحمد وأبي ثورٍ.


[1] في (ق): ((واختلف)).
[2] قوله: ((غيرهم)) ليس في (ق).
[3] في (م) و (ق): ((لا يسع)).
[4] في (ز) و(ي) و(ص): ((يوسف)) والمثبت من (م) و(ق).
[5] في (م) و(ق): ((أبي حنيفة واحتج بأنه)).
[6] في (م) و(ق): ((حق، فمن)).
[7] في (م) و(ق): ((قال الطبري والصواب)). في (ص): ((قال الطحاوي الصواب)).
[8] في (م) و (ق): ((عدد)).
[9] في (ص): ((آخر)).
[10] زاد في (ق) و (م) و (ي) و(ص): ((المغرب)).
[11] في (م) و (ق) و(ص): ((الليل ووتر))، و في (ي): ((الليل وتر)).
[12] في (ق): ((فمن)).
[13] في (ق): ((فليس)).
[14] في (ي) و(ص): ((سنتنا)).
[15] في (ي): ((فمن)).
[16] في (م): ((ورُوي ذلك عن عثمان، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، وسعد وابن عباس، ليس في الأصل وعَمْرو بن ميمون وابن سيرين وبه قال إسحاق))، و في (ق): ((ورُوي ذلك عن عثمان، وعلي بن أبي طالب، وسعد وابن مسعود وابن سيرين وبه قال إسحاق رضي الله عنهم أجمعين جمعين)).
[17] في (ق): ((أمر)).
[18] في (ق): ((يؤمر))، في (ص) غير منقوطة.
[19] في (ق) و (م): ((والنخعي ومكحول)).