شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ساعات الوتر

          ░2▒ باب: سَاعَاتِ الْوِتْرِ
          قَالَ(1) أَبُو هُرَيْرَةَ: (أَوْصَانِي رَسولُ اللهِ(2) صلعم بِالْوِتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ).
          فيه: أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ: قُلْتُ لابْنِ عُمَرَ: أَرَأَيْتَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاةِ الْغَدَاةِ، أُطِيلُ(3) فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ؟ قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صلعم يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ، وَيُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ(4) قَبْلَ صَلاةِ الْغَدَاةِ، وَكَأَنَّ الأذَانَ بِأُذُنَيْهِ). [خ¦995]
          قَالَ حَمَّادٌ: أَيْ سُرْعَةً(5).
          وفيه: عَائِشَةُ قَالَتْ(6): (كُلَّ اللَّيْلِ أَوْتَرَ رَسُولُ اللهِ صلعم وَانْتَهَى وِتْرُهُ إلى السَّحَرِ). [خ¦996]
          قال المُهَلَّب: ليس للوتر وقت مؤقَّت لا يجوز غيره لأنَّه صلعم قد أوتر كُلَّ اللَّيل كما قالت عائشة، وقد اختلف السَّلف في ذلك(7): عن أبي بكر الصِّدِّيق وعثمان بن عفَّان وأبي هريرة ورافع بن خديج أنَّهم كانوا يوترون أوَّل اللَّيل، وكان يوتر آخر اللَّيل عُمَر بن الخطَّاب وعليُّ بن أبي طالب وابن مسعودٍ وأبو الدَّرداء وابن عبَّاسٍ وابن عمر وجماعةٌ من التَّابعين، واستحبَّه مالكٌ والثَّوريُّ والكوفيُّون وجمهور العلماء.
          وقال(8) الطَّبريُّ(9): فإن قال قائل: فإن(10) كان جمهور العلماء على(11) هذا فما وجه أمره صلعم لأبي هريرة بالوتر قبل النَّوم وأمره واجبٌ، وقول عائشة: (كلَّ اللَّيل أوترَ رسولُ الله صلعم) خبرٌ عن فعله، وما لم يكن من فعله بيانًا لمجمل القرآن قلنا: الأخذ به وتركه، والأمر ليس كذلك حتَّى يُبَيِّنَه أمرٌ آخر أنَّه على غير الوجوب. قيل: كلا الخبرين صحيحٌ وأمره صلعم لأبي هريرة اختيارٌ منه له حين خشي أن يستولي عليه النَّوم فيقع وتره في غير اللَّيل، فأمره بالأخذ بالثِّقة وأن يوتر قبل نومه، وبهذا وردت الأخبار عنه صلعم روى سفيان عن الأعمش عن جابرٍ عن عائشة أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: ((مَنْ خَافَ منكُم ألَّا يَستَيقظَ آخرَ اللَّيلِ فَلْيوتِرْ أوَّلَ اللَّيلِ، ومَنْ علِمَ أنَّه يستيقظُ آخرَ اللَّيلِ فإنَّ صلاتَهُ آخرَ اللَّيل محضورةٌ وذلكَ أَفضَلُ))، وروى حمَّاد بن سلمة عن ثابت البُنانيِّ عن عبد(12) الله بن رَبَاحٍ عن أبي قَتادة قال: قالَ رسولُ اللهِ صلعم: ((يا أبا بكرٍ مَتى توتِرُ؟)) قال: أوَّلَ اللَّيلِ، وقالَ لعمرَ: ((متى توتِرُ؟)) قالَ: آخرَ اللَّيلِ، فقالَ صلعم لأبي بكرٍ: ((أخذتَ بالحزمِ))، وقالَ لعمرَ: ((أخذتَ بالقوَّةِ)).
          قال المُهَلَّب: وقوله: (وَكَأَنَّ الأذَانَ بِأُذُنَيْهِ) يعني الإقامة، يريد أنَّه كان يسرع ركعتي(13) الفجر قبل الإقامة من أجل تغليسه بالصُّبح.


[1] في (م): ((وقال)).
[2] في (م) و (ق): ((النبي)).
[3] في (م): ((أأطيل)).
[4] في (ص): ((الركعة)).
[5] في (م): ((بسرعة)).
[6] زاد في (ق): ((من)).
[7] زاد في (م): ((فروي)).
[8] في (م) و(ق): ((قال)).
[9] في (ص): ((الكندي)).
[10] قوله: ((فإن)) ليس في (ي).
[11] في (م) و(ق): ((كان الجمهور على)).
[12] في (ق): ((عبيد)).
[13] في (م) و(ق): ((بركعتي)).