شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول النبي: «لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان دعوتهما واحدة»

          ░8▒ باب قَوْلِ النَّبيِّ صلعم لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ.
          فيه أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ). [خ¦6935]
          هذا إخبارٌ عن الغيب وحدوث الفتنة وقتال المسلمين بعضهم لبعضٍ، ويحتمل أن يكون معنى قوله: (دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ): دينهما واحدٌ، ويحتمل أن يكون دعواهما واحدةٌ في الحقِّ عند أنفسهما واجتهادهما، ويقتل بعضهم بعضًا، وقد جاء في الكتاب والسنَّة الأمر بقتال الفئة الباغية إذا تبيَّن بغيها، قال الله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا على الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ}[الحجرات:9].
          قال ابن أبي زيدٍ: قال من لقينا من العلماء: معنى ذلك: إذا بغت قبيلةٌ على قبيلةٍ فقاتلتها حميَّةً وعصبيَّةً وفسقًا وفخرًا بالأنساب وغيرها من الثائرة؛ رغبةً عن حكم الإسلام فعلى الإمام أن يفرِّق جماعتهم، فإن لم يقدر فليقاتل من تبيَّن له أنَّه ظالم لصاحبه، وحلَّت دماؤهم حتَّى يقهروا، فإن تحقَّقت الهزيمة عليهم وأيس من عودتهم فلا يقتل منهزمهم، ولا يجهز على جريحهم، وإن لم تستحقَّ الهزيمة ولا يؤمن رجوعهم؛ فلا بأس أن يقتل منهزمهم وجريحهم، ولا بأس أن يقتل الرجل في القتال معهم أخاه وقرابته وجدَّه لأبيه وأمِّه، فأمَّا الأب فلا.
          وقال أصبغ: يقتل أباه وأخاه، ولا تصاب(1) أموالهم ولا حرمهم، فإن قدر الإمام على كفِّ الطائفتين وترك القتال فلكلِّ فريقٍ طلب الفريق الآخر بما جرى بينهم في ذلك من دمٍ ومالٍ، ولا يهدر شيءٌ من ذلك، بخلاف ما كان على تأويل القرآن. وقال بعضه ابن حبيبٍ.


[1] في (ز): ((تصان)) والمثبت من المطبوع والتوضيح لابن الملقن.