شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا حمل رجل على فرس فهو كالعمرى والصدقة

          ░37▒ بَابُ إِذَا حَمَلَ رَجُلًا عَلَى فَرَسٍ(1) فَهُوَ كَالعُمْرَى وَالصَّدَقَةِ
          وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا.
          فيهِ عُمَرُ قَالَ: (إنِّي(2) حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَرَأَيْتُهُ يُبَاعُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صلعم فَقَالَ: لَا تَشْتَرِهِ، وَلَا تَعُدْ في صَدَقَتِكَ). [خ¦2636]
          لا خلاف بين العلماء أنَّ العُمْرَى إذا قبضها المعمِّر لا يجوز الرُّجوع فيها، وكذلك الصَّدقة لا يجوز لأحدٍ أن يرجعَ في صدقته؛ لأنَّه(3) أخرجها لله تعالى، فكذلك الحمل على الخيل في سبيل الله ╡ لا رجوعَ فيه؛ / لأنَّه صدقةٌ لله، فما كان مِنَ الحمل على الخيل تمليكًا للمحمول عليه بقوله: هو لك، فهو كالصَّدقة المنقولة(4) إذا قُبضت أنَّها ملك للمتصدَّق عليه، وما كان منه تحبيسًا في سبيل الله ╡ فهو كالأوقاف لا يجوز الرُّجوع فيه عند جمهور العلماء.
          وخالف ذلك أبو حنيفةَ، وجعل الحبس باطلًا في كلِّ شيءٍ، ولهذا قال البخاريُّ: وقال بعضُ النَّاس: له أنْ يرجع فيها؛ لأنَّه عنده حبسٌ باطلٌ راجعٌ إلى صاحبِهِ.
          وفي حديث عُمَرَ جواز تحبيس الخيل، وهو يردُّ قول أبي حنيفةَ، ولا يخلو الفرس الَّذي حمل عليه عمر وأراد شراءه مِنْ أن يكونَ حبسه في سبيل اللهِ ╡، أو حمل عليه وجعله ملكًا للمحمول عليه، فإنْ كان حبسًا فلا يجوز بيعه عند العلماء إلَّا أنْ يضيع ويعجز(5) عنِ الَّلحاق بالخيل، فيجوز حينئذٍ بيعه ووضع ثمنه في فرسٍ عتيقٍ إن وجده، وإلَّا أعان به في مثل ذلك، وإن كان عُمَرُ قد أمضى الفرس للَّذي حمله عليه وملَّكه إيَّاه، فهو ملكٌ للمتصدَّق عليه كالصَّدقة المبتولة، فجاز له التَّصرُّف فيه وبيعه مِنَ الَّذي حمله عليه، كما يجوز له بيعه مِنْ غيره، وإنَّما أمره ◙ بتركه تنزُّهًا لا إيجابًا، وقد تقدَّم في كتاب الجهاد في باب إذا حمل على فرس في سبيل الله فرآها تُباع اختلاف العلماء فيمن حمل على فرسٍ في سبيل الله(6)، ولم يقل: هو حبسٌ في سبيل الله، فأغنى عن إعادته [خ¦3002] [خ¦3003]، وسيأتي في كتاب الأوقاف اختلافهم في جواز تحبيس الحيوان في باب وقف الدَّار(7) والكُراع إنْ شاء الله تعالى [خ¦2775].


[1] في (ز): ((باب إذا حمله على فرس)).
[2] قوله: ((إنِّي)) ليس في (ص).
[3] في (ص): ((لأنَّ ما)).
[4] في (ز): ((المبتولة)).
[5] في المطبوع: ((يضيع أو يعجز)).
[6] قوله: ((فرآها تباع اختلاف العلماء فيمن حمل على فرس في سبيل الله)) ليس في (ز).
[7] في (ز): ((الدَّوابِّ)).