شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا قال أخدمتك هذه الجارية على ما يتعارف الناس فهو جائز

          ░36▒ بَابُ إِذَا قَالَ: أَخْدَمْتُكَ هَذِهِ الجَارِيَةَ عَلَى مَا يَتَعَارَفُ النَّاسُ فَهُوَ جَائِزٌ
          وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: هَذِهِ عَارِيَّةٌ، فَإِنْ(1) قَالَ: كَسَوْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ فَهُوَ هِبَةٌ.
          وفيهِ(2) أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم: (هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ صلعم بِسَارَةَ، فَأَعْطَوْهَا هَاجَرَ(3)، فَرَجَعَتْ، فَقَالَتْ: أَشَعَرْتَ أَنَّ اللهَ كَبَتَ الكَافِرَ، وَأَخْدَمَ وَلِيدَةً، وَقَالَ مَرَّةً: فَأَخْدَمَهَا هَاجَرَ). [خ¦2635]
          لا أعلم [خلافًا بين العلماء أنَّه إذا قال له: أخدمتك هذه الجارية، أو هذا العبد أنَّه قد وهبَ له خدمته لا رقبته، وأنَّ الإخدامَ لا يقتضي تمليك الرَّقبة عند العرب، كما أنَّ الإسكانَ لا يقتضي تمليك رقبة الدَّار، وليس ما استدلَّ به البخاريُّ مِنْ قوله: فأخدمها هاجرَ بدليلٍ على الهبة، وإنَّما تصحُّ الهبةُ في الحديث مِنْ قوله: (فَأَعْطُوهَا هَاجَرَ)، فكانت عطيَّةً تامَّةً.
          واختلفَ ابنُ القَاسِمِ وأَشْهَبُ فيمَنْ قَالَ: وهبتُ خدمةَ عبدي لفلانٍ، فقال ابنُ القَاسِمِ: يخدمه حياةَ العبد، فإنْ ماتَ فلانٌ فلورثته خدمةُ العبد ما بقي العبد، إلَّا أن يستدلَّ مِنْ قوله أنَّه أرادَ حياةَ المخدم، ولا تكون هبةٌ لرقبة العبد، وقال به أَشْهَبُ(4): إذا قال: وهبتُ خدمة عبدي لفلانٍ، فإنَّه يحمل على أنَّه حياة فلانٍ، ولو كانت حياة العبد كانت هبةٌ لرقبته.
          وقول ابنِ القَاسِمِ أصحُّ مِنْ قول أَشْهَبَ؛ لأنَّه لا يُفْهَمُ مِنْ هِبَةِ الخدمة هِبَةُ الرَّقبة، والأموال لا تُستباحُ إلَّا بيقينٍ.
          ولم يختلفِ العلماء أنَّه إذا قال: كسوتك هذا الثَّوب مدَّةً يسمِّيها فله شرطه، فإن لم يذكرْ أجلًا فهو هبةٌ؛ لأنَّ لفظ الكسوة يقتضي الهبة للثَّوب، لقوله ╡: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ}(5)[المائدة:89]، ولم تختلف الأمَّة أنَّ ذلك تمليكٌ للطَّعام والثِّياب]
(6).


[1] في (ز): ((وإن)).
[2] في (ز): ((فيه)).
[3] في (ز): ((آجر)).
[4] في المطبوع: ((وقال أشهب)).
[5] في (ز): ((عشرة مساكين أو كسوتهم)).
[6] ما بين معقوفتين مطموس في (ص).