شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب كلام الخصوم بعضهم في بعض

          ░4▒ بَابُ كَلاَمِ الخُصُومِ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ
          فيهِ عَبْدُ اللهِ قَالَ ◙(1): (مَنْ حَلَفَ على يَمِينٍ وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ، قَالُوا(2) فَقَالَ الأَشْعَثُ(3): فِيَّ وَاللهِ(4)،كَانَ هَذَا، كَانَ(5) بَيْنَ رَجُلٍ وَبَيْنِي أَرْضٌ فَجَحَدَنِي(6)، فَقَدَّمْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ صلعم فَقَالَ لِي رَسُولُ الله(7) صلعم : أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ قُلْتُ: لَا،(8) فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ: احْلِفْ قالَ:(9) قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِذًا يَحْلِفَ وَيَذْهَب بمَالِي(10)، قَالَ:(11) فَأَنْزَلَ اللهُ ╡: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ(12)}الآية[آل عِمْرَان:77]). [خ¦2416] [خ¦2417]
          وفيهِ كَعْبٌ: (أَنَّهُ تَقَاضَى ابنَ أبي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي المَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللهِ(13) فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ(14)، فَنَادَى: يَا كَعْبُ، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا، وأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَيِ الشَّطْرَ، قَالَ: لقَدْ(15) فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: قُمْ فَاقْضِهِ). [خ¦2418]
          وفيهِ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ(16): (سَمِعْتُ هِشَامَ بنَ حِزَامٍ(17) يَقْرَأُ سُورَةَ الفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ أَقْرَأَنِيْهَا(18) وَكِدْتُ أَنْ(19) أَعْجَلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ حَتَّى انْصَرَفَ، ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ، فَجِئْتُ بِهِ النَّبيَّ صلعم) وذكر الحديث. [خ¦2419]
          لا يجوزُ مِنْ كلامِ الخصومِ بعضُهم لبعضٍ إلَّا ما يجوزُ مِنْ كلامِ غيرِهم ممَّا لا يوجبُ أدبًا ولا حدًّا.
          قال المُهَلَّبُ: معنى(20) التَّرجمةِ مِنْ حديثِ ابنِ مَسْعُودٍ قولُ الأَشْعَثِ: (إِذًا واللهِ يَحْلِفُ وَيَذْهَبُ بمَالِي(21)) فمثلُ هذا الكلامِ مباحٌ فيمَنْ عُرِفَ فِسْقُهُ، كما عُرِفَ فِسقُ اليهوديِّ الَّذي خاصمَ الأَشْعَثَ وقِلَّةُ مراقبتِهِ للهِ ╡ فحينئذٍ يسمحُ الحاكمُ(22) للقائلِ لخصمِه ذلك، وأمَّا إن قالَ ذلك(23) في رجلٍ صالحٍ أو مَنْ لا يُعرَفُ له فِسقٌ فيجبُ أن يُنْكَرَ عليه، ويُؤخَذُ له الحقُّ، ولا يبيحُ له النَّيلَ مِنْ عرضِهِ.
          وحديثُ عُمَرَ مع هِشَامِ بنِ حكيمٍ في تولِّي الخصومِ بعضِهم بعضًا سديدٌ في هذا البابِ، لأنَّ فيه امتدادًا باليدِ، فهو أقوى مِنَ القولِ، وإنَّما كان(24) له ذلك والله أعلم لأنَّه أنكرَ عليه في أمرِ الدِّينِ، وفي حديثِ كَعْبٍ / [جوازُ ارتفاعِ الأصواتِ بينَ الخصومِ لما في خلائقِ النَّاسِ مِنْ ذلك، ولو قُصِرَ الناسُ على خلافِها(25) لكانَ ذلك مِنَ المشقَّةِ عليهم، بل يُسْمَحُ لهم فيما جبلَهم اللهُ عليه، لأَنَّ النَّبِيَّ صلعم سمعهما ولم ينههما عن رفعِ أصواتِهما.
          وفيه أنَّ الحاكمَ إذا سمعَ قولَ الخصومِ واستعجمَ عليه أمرُهُما أشار عليهما بالصُّلحِ، وأمرَهما به، وإذا رأى مِدْيَانًا غير مستضلعٍ بدينِه، ولا مَلِيٍّ به، وثبتتْ عسرتُهُ، أنَّه لا بأس للحكمِ أن يأمرَ صاحبَ الدَّينِ بالوضيعةِ لقطعِ الخصامِ، لما في تماديه مِنْ قطعِ ذاتِ البينِ وفسادِ النِّيَّاتِ]
(26).


[1] في (ز): ((قال النَّبيُّ صلعم)).
[2] في المطبوع: ((قال))، قوله: ((قالوا)) ليس في (ز).
[3] زاد في (ز): ((ابن قيس)).
[4] زاد في (ز): ((نزلت)).
[5] قوله: ((هذا كان)) ليس في (ز).
[6] في (ز): ((فيَّ والله نزلت، كان بيني وبين يهوديٍّ أرض فجحدني)).
[7] في (ز): ((النَّبيُّ)).
[8] زاد في المطبوع: ((قال)).
[9] قوله: ((قال)) ليس في (ز).
[10] في (ز): ((مالي)).
[11] قوله: ((قال)) ليس في (ز).
[12] زاد في (ز): (({ثَمَنًا قَلِيْلًا})).
[13] في المطبوع: ((رسول الله وهو))، وفي (ز): ((النَّبيُّ صلعم)).
[14] قوله: ((حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ)) ليس في (ز).
[15] في (ز): ((قد)).
[16] قوله: ((ابن الخطَّاب)) ليس في (ز).
[17] في (ز): ((حكيم)).
[18] قوله: ((وكان رسول الله أقرأنيها)) ليس في (ز).
[19] قوله: ((أن)) ليس في (ز).
[20] في (ز): ((ومعنى)).
[21] في (ص): ((بحقِّي)).
[22] في (ز): ((الحكم)).
[23] زاد في (ز): ((الخصم)).
[24] في (ز): ((جاز)).
[25] في المطبوع: ((عن اختلافهم)).
[26] ما بين معقوفتين مطموس في (ص).