شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ومن باع على الضعيف ونحوه

          ░3▒ بَابُ(1) وَمَنْ بَاعَ عَلَى الضَّعِيفِ وَنَحْوِهِ، وَدَفَعَ ثَمَنَهُ إِلَيْهِ(2) وَأَمَرَهُ بِالإِصْلاَحِ وَالقِيَامِ بِشَأْنِهِ، فَإِنْ أَفْسَدَ بَعْدُ مَنَعَهُ، لأَنَّ النَّبِيَّ صلعم نَهَى عَنْ إِضَاعَةِ المَالِ.
          وَقَالَ لِلَّذِي يُخْدَعُ في البَيْعِ: (إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لاَ خِلَابَةَ(3))، وَلَمْ يَأْخُذِ النَّبيُّ صلعم مَالَهُ.
          فيهِ ابنُ عُمَرَ: (كَانَ رَجُلٌ يُخْدَعُ في البَيْعِ، فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صلعم: إِذَا بَايَعْتَ، فَقُلْ: لَا خِلاَبَةَ، فَكَانَ يَقُولُهُ(4)). [خ¦2414]
          وفيهِ جَابِرٌ: (أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ(5) لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَرَدَّهُ النَّبيُّ صلعم فَابْتَاعَهُ مِنْهُ نُعَيْمُ بنُ النَّحَّامِ). [خ¦2415]
          اختلفَ العلماءُ في هذا البابِ، فقَالَ مَالِكٌ، وجميع أصحابِه غير ابنِ القَاسِمِ: إن(6) / فعلَ السَّفِيهِ وأمرَه كلَّه جائزٌ حتَّى يضربَ الإمامُ على يدِه وهو قولُ الشَّافعيِّ، وقال ابنُ القَاسِمِ: أفعالُهُ غيرُ جائزةٍ وإنْ لم يضربْ عليه الإمامُ. وقَالَ أَصْبَغُ: إن كان ظاهرُ السَّفَهِ فأفعالُهُ مردودةٌ، وإن كانَ غيرَ ظاهرِ السَّفَهِ فلا تُرَدُّ أفعالُهُ حتَّى يَحْجُرَ عليه الإمامُ. واحتجَّ سُحْنُونٌ لقولِ مالكٍ بأن قال: لو كانت أفعالُ السَّفيهِ مردودةً قبلَ الحجرِ عليه ما احتاجَ السُّلطانُ أن يحجرَ على أحدٍ.
          واحتجَّ غيرُهُ بأنَّ النَّبيَّ صلعم أجازَ بيعَ الَّذي كان يُخْدَعُ في البيوعِ(7)، ولم يُذْكَرْ في الحديث أنَّه فسخَ ما تقدَّمَ مِنْ بيوعِهِ، وحُجَّةُ ابنِ القَاسِمِ حديثُ جابرٍ أنَّ النَّبيَّ صلعم ردَّ عتقَ(8) الَّذي أعتقَ عبدَهَ ولم يكن حجرَ عليه قبل ذلك، ولمَّا تنوَّع حكمُ النَّبِيِّ صلعم في السفيهينِ نظرَ بعضُ الفقهاءِ في ذلك، فاستعملَ الحديثينِ جميعًا فقالَ: ما كان مِنَ السَّفِهِ اليسيرِ والخداعِ الَّذي لا يكادُ يسلم منه مع تنبُّه المخدوعِ إليه والشَّكوى له(9)، فإنَّه لا يوجبُ الضَّربَ على اليدِ، ولا رَدَّ ما وقعَ له مثل(10) ذلك مِنَ البيعِ، ولا انتزاعَ مالِهِ كما لم يردَّ ◙ بيعَ الَّذي قال له: لا خِلَابَةَ، ولا انتزعَ مالَه(11)، وما كان مِنَ البيعِ فاحشًا في السَّفَهِ فإنَّه يُرَدُّ كما ردَّ النَّبيُّ صلعم تدبيرَ العبدِ الَّذي اشتراه ابنُ النَّحَّامِ، لأنَّه لم يكن أبقى لنفسِهِ سيِّده مالًا يعيش به، فردَّ عتقَه، وصرفَ عليه مالَه الَّذي فوَّتَه بالعتقِ ليقومَ به على نفسِهِ، ويؤدِّي منه دينَه، وإنَّما ذلك على قدرِ اجتهادِ الإمامِ في ذلك وما يراه.
          وقد تقدَّم الكلامَ في حديثِ ابنِ عمرَ في كتابِ البيوعِ في بابِ ما يُكْرَهُ مِنَ الخداعِ في البيعِ ومذاهب العلماءِ فيمَنْ باعَ بيعًا وغُبِنَ فيه [خ¦2117] والحمدُ للهِ.


[1] قوله: ((باب)) ليس في (ز).
[2] في المطبوع: ((فدفع ثمنه إليه))، وفي (ز): ((ودفع إليه ثمنه)).
[3] زاد في (ز): ((فكان يقوله)).
[4] قوله: ((فيه: ابن عُمَرَ: كَانَ رَجُلٌ يُخْدَعُ في البَيْعِ، فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صلعم: إِذَا بَايَعْتَ، فَقُلْ: لا خِلَابَةَ)) ليس في (ص).
[5] قوله: ((له)) ليس في (ز).
[6] قوله: ((إن)) ليس في (ز).
[7] في (ز): ((البيع)).
[8] في (ز): ((بيع)).
[9] في (ز): ((به)).
[10] في (ز): ((قبل)).
[11] قوله: ((كما لم يردَّ ◙ بيع الَّذي قال له: لا خلابة، ولا انتزع ماله)) ليس في (ص).