عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب القران في التمر بين الشركاء حتى يستأذن أصحابه
  
              

          ░4▒ (ص) بابُ الْقِرَانِ فِي التَّمْرِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ.
          (ش) هذه الترجمة هكذا موجودةٌ في النُّسَخ المتداولة بين الناس، قيل: لعلَّ «حَتَّى» بمعنى «حين» فتحَرَّفَت، أو سقط مِنَ الترجمة شيءٌ، أَمَّا لفظ النهي مِن أولها، أو لا يجوز قبل (حَتَّى).
          قُلْت: لا يحتاج إلى ظنِّ التحريف فيه، بلى فيه حذفٌ، وباب الحذف شائعٌ ذائع، تقديره: هذا بابٌ في بيان حكم القِران الكائن في التمر الكائن بين الشركاء، لا ينبغي لأحدٍ منهم أن يقرن حَتَّى يستأذن أصحابه، وذلك مِن باب حسن الأدب في الأكل؛ لأنَّ القوم الذين وُضِعَ بين أيديهم التمر هم كالمتساوين في أكله، فإن استأثر أحدهم بأكثر مِن صاحبه لم يجز له ذلك، ومِن هذا الباب جعل العلماء النهي عَنِ النهبة في طعام الأعراس وغيرها، لِمَا فيه مِن سوء الأدب والاستئثار بما لا يطيب عليه نفس صاحب الطعام، وقال أهل الظاهر: إنَّ النهي عنه على الوجوب، وفاعله عاصٍ إذا كان عالمًا بالنهي، ولا نقول: إنَّهُ أكل حرامًا؛ لأنَّ أصله الإباحة، ودليل الجمهور أنَّهُ إِنَّما وُضِع بين أيدي الناس للأكل، فإِنَّما سبيله سبيل المكارمة [لا على التشاحِّ، لاختلاف الناس في الأكل، فبعضهم يكفيه اليسير، وبعضهم لا يكفيه أضعافه، ولو كانت سهمانهم سواء؛ لما ساغ لِمَن لا يشبعه اليسير أن يأكل أكثر مِن مثل نصيب مَن يشبعه اليسيرُ، ولمَّا لم يتشاحَّ الناس في هذا المقدار عُلِم أنَّ سبيل هذه المكارمة]، لا على معنى الوجوب.