عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب الصلاة في كسوف الشمس
  
              

          ░1▒ (ص) بابُ الصَّلَاةِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان مشروعيَّة صَلَاةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ، والكلام فيه على أنواعٍ:
          الأَوَّل: أنَّهُ لا خلافَ في مشروعيَّة صلاة الكسوف والخسوف، وأصل مشروعيَّتها بالكتاب والسُّنَّة وإجماعِ الأمَّة؛ [أَمَّا الكتاب؛ فقولُه تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}[الإسراء:59]، والكسوف آيةٌ مِن آيات اللهِ المخوِّفة]، واللهُ تعالى يخوِّف عبادَه؛ ليتركوا المعاصي ويرجعوا إلى طاعة الله التي فيها فوزُهم، وأَمَّا السُّنَّة؛ فقوله صلعم : «إذا رأيتم شيئًا مِن هذه الأفزاع؛ فافزعوا إلى الصلاة»، وأَمَّا الإجماع؛ فإنَّ الأمَّةَ قد أجمعت عليها مِن غيرِ إنكارِ أحدٍ.
          الثاني: أنَّ سببَ مشروعيَّتها هو الكسوف؛ لأنَّها تضاف إليه، وتتكرَّر بتكرُّره.
          الثالث: أنَّ شرطَ جوازها هو ما يُشتَرط لسائر الصلوات.
          الرابع: أنَّها سُنَّةٌ وليست بواجبة، وهو الأصحُّ، وقال بعض مشايخنا: إِنَّها واجبة؛ للأمر بها، ونصَّ في «الأسرار» على وجوبها، وصرَّح أبو عَوَانَة أيضًا بوجوبها، وعن مالكٍ أنَّهُ أجراها مُجرى الجُمُعَة، وقيل: إِنَّها فرضُ كفايةٍ، واستُبعِد ذلك.
          الخامس: أنَّها تُصلَّى في المسجد الجامع أو في مصلَّى العيد.
          السادس: أنَّ وقتَها هو الوقتُ الذي يُستحَبُّ فيه سائر الصلوات، دون الأوقات المكروهة، وبه قال مالكٌ، وقال الشَّافِعِيُّ: لا يُكره في الأوقات المكروهة.
          السابع: في كمِّيَّة عدد ركعاتها؛ فعند اللَّيث بن سعدٍ ومالكٍ والشَّافِعِيِّ وأحمدَ وأبي ثورٍ: صلاةُ الكسوف ركعتان، في كلِّ ركعةٍ ركوعان وسجودان؛ فتكون الجملة أربع ركعات وأربع سجَدَات في ركعتين، وعند طاوُوسٍ وحبيبِ بن أبي ثابتٍ وعبدِ الملك ابن جُرَيْج: ركعتان، في كلِّ ركعةٍ أربعُ ركوعات وسجدتان، فتكون الجملة ثمان ركعات وأربع سجدات، ويُحكَى هذا عن عليٍّ وابن عَبَّاسٍ ♥ ، وعند قتادةَ وعطاءِ بنِ أبي رَبَاح وإسحاقَ وابنِ المنذر: ركعتان، في كلِّ ركعة ثلاث ركعات وسجدتان، فتكون الجملة ستَّ ركعات وأربعَ سجدات، وعند سعيدِ بنِ جُبَير وإسحاقَ ابنِ راهُوْيَه في رواية ومُحَمَّدِ بن جرير الطَّبَريِّ وبعضِ الشَّافِعِيَّة: لا توقيت فيها، بل يُطيل أبدًا ويسجد إلى أن تتجلَّى الشَّمس، وقال عياضٌ: قال بعضُ أهلِ العلم: إِنَّما ذلك بحسب مكث الكسوف، فما / طال مكثه زاد تكرير الرُّكوع فيه، وما قصر؛ اقتصر فيه، وما توسَّط؛ اقتصد فيه، قال: وإلى هذا نحا الخَطَّابيُّ ويحيى وغيرُهما، وقد يُعتَرض عليه بأنَّ طولَها ودوامَها لا يُعلَم مِن أَوَّل الحالِ، ولا مِنَ الرَّكعةِ الأولى، وعند إبراهيمَ النَّخَعِيِّ وسفيانَ الثَّوْريِّ وأبي حنيفة وأبي يوسفَ ومُحَمَّدٍ: هي ركعتان كسائر صلاة التَّطوع؛ في كلِّ ركعةٍ ركوعٌ واحدٌ وسجدتان، ويُروَى ذلك عنِ ابنِ عُمَرَ وأبي بَكْرَة وسَمُرة بن جُنْدب وعبد الله بن عَمْرٍو وقَبيصة الهلاليِّ والنعمانِ بنِ بشيرٍ وعبدِ الرَّحْمَن بنِ سَمُرةَ وعبدِ الله بن الزُّبَير، ورواه ابنُ أبي شَيْبَةَ عن ابن عَبَّاس، وفي «المحيط» عن أبي حنيفة: إن شاؤوا صلَّوها ركعتين، وإن شاؤوا أربعًا، وفي «البدائع»: إن شاؤوا أكثر مِن ذلك، هكذا رواه الحسنُ عن أبي حنيفة، وعند الظَّاهريَّة: يُصلِّي لكسوف الشمس خاصَّة إن كَسَفت مِن طلوعها إلى أن يُصلِّيَ الظهرَ ركعتين، وإن كَسَفت مِن بعد صلاةِ الظهر إلى أخْذِها في الغروب؛ صلَّى أربعَ ركعاتٍ كصلاة الظهر والعصر، وفي كسوف القمر خاصَّة إن كَسَف بعد صلاة المغرب إلى أن تُصلَّى العشاءُ الآخِرة؛ صلَّى ثلاثَ ركعات كصلاة المغرب، وإن كَسَف بعد صلاة العَتَمة إلى الصبح؛ صلَّى أربعًا كصلاة العَتَمة، واحتجُّوا في ذلك بحديث النعمان بن بشير: «إذا خَسَفت الشمس والقمر؛ فصلُّوا كأحْدَثِ صلاةٍ صلَّيتموها».