الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: التيمم ضربة

          ░8▒ (بَابٌ: التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ): رواية الأكثر بتنوين (بابٌ)، فـ(التيمم ضربة): مبتدأ وخبر، ورواية الكشميهني بغير تنوين لإضافته إلى <التيمم>، و<ضربةً>: نصب على الحال، وهو من الصور الثلاث التي يجيء فيها الحال من المضاف إليه؛ لأنه على تقدير: باب شرح التيمم، وشرح: مصدر يصح عمله في الحال، ثم حذف، وأقيم المضاف إليه مقامه، قاله في ((المصابيح)).
          قال ابن الملقن: واختلف العلماء في صفة التيمم على أقوال:
          أحدها: أنه ضربة واحدة، وعليه بوب البخاري، وهو أصح من رواية ضربتين.
          ثانيهما: أنه ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين، روي هذا عن ابن عمر، والشعبي، والحسن، وهو قول مالك، والثوري، والليث، وأبي حنيفة، وأصحابه، والشافعي، ورواية عن الأوزاعي، وهؤلاء كلهم لا يجزئ عندهم المسح دون المرفقين إلا مالكاً؛ فإن الفرض عنده إلى الكوعين، وروي عن علي مثل هذا، ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى الكوعين، وهذا قول ثالث.
          رابعها: أنه ضربتان يمسح بكل ضربة منهما وجهه وذراعيه إلى مرفقيه، وهو قول ابن أبي ليلى، والحسن بن حي.
          خامسها: أنه ضربة واحدة للوجه والكفين إلى الكوعين، وروي هذا عن عطاء، ومكحول، ورواية عن الشعبي، وهو قول الأوزاعي، وإسحاق، واختاره ابن المنذر، وروي عن مالك: أنه يجزئه، والاختيار عنده ضربتان.
          سادسها _وهو غريب_ أنه أربع ضربات: ضربتان للوجه، وضربتان لليدين.
          حكاه ابن بزيزة في (شرح أحكام عبد الحق) وقال: ليس له أصل في السنة، ثم قال: وقال بعض العلماء: يتيمم الجنب إلى المنكبين وغيره إلى الكوعين، وهو قول ضعيف.
          وفي (قواعد ابن رشد): روي عن مالك: الاستحباب إلى ثلاث، والفرض اثنان، وقال ابن سيرين: ثلاث ضربات: الثالثة لهما جميعاً، وفي رواية عنه: ضربة للوجه، وضربة للكف، وضربة للذراعين. انتهى.
          وأقول: هذه تصلح أن تعد أربعة أقوال أيضاً، فتكون جملة الأقوال: عشرة.
          ولم يذكر مذهب أحمد، وهو كالأول، قال في (الإنصاف) من كتب أصحابه: الصحيح من المذهب: أن المسنون والواجب ضربة واحدة، نص عليه، وعليه الأصحاب.
          ولم أر أحداً قال بأنه يجب في تيمم الجنب استيعاب جميع البدن؛ لأن النبي صلعم أنكر على عمار تمعيك جميع بدنه بالتراب كما مر، وسيأتي، فافهم.