الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب التيمم للوجه والكفين

          ░5▒ (بَابٌ): بالتنوين على ما قاله العيني، وتبعه القسطلاني، وسيأتي ما فيه (التَّيَمُّمُ لِلْوَجْهِ وَالكَفَّيْنِ): (للوجه): متعلق بالتيمم الواقع مبتدأ، وخبره محذوف؛ أي: هو الواجب المجزئ كما قدره في ((الفتح)).
          وقدره العيني بقوله: ضربة واحدة للوجه والكفين.
          والأنسب بأحاديث الباب ما في ((الفتح)): لأنها ليس فيها تعرض للضربة الواحدة بنفي ولا إثبات، بل فيها بيان أن التيمم للوجه والكفين معلقة بضربة المقدرة خبراً، والظاهر: أن مقصود البخاري بهذه الترجمة: الرد على من أوجبه إلى المرفقين كالشافعية، وعلى من أوجبه للإبطين كالزهري.
          ثم قال العيني: ثم نقول بعد ذلك لفظة جواز أو وجوباً، يعني: من حيث الجواز، والوجوب، والمقصود منه: إثبات التيمم ضربة واحدة سواء كان وجوباً أو جوازاً، ثم اعترض على ((الفتح)): بأن تقييده بالوجوب لا يفهم منه؛ لأنه أعم من ذلك. انتهى.
          وأقول: كون المقصود منه إثبات أن التيمم ضربة واحدة ينافيه أن المصنف عقد لها باباً بعد ثلاثة أبواب، وأما التقييد بالوجوب فهو الأصل في بيان الشارع إلا لدليل، مع أن الإجماع على أصل وجوبه، فتأمل.
          هذا والأولى عندي قراءة (بابُ): بالإضافة إن لم تثبت الرواية عن المصنف بالتنوين، ويقدر مضاف إلى (التيمم) نحو وجوب، أو حكم، و(للوجه): متعلق بالتيمم، ولا حذف، ولا يحتاج لما قالوه، على أنهم قالوا: التراجم يجوز فيها ما تجيزه العربية، فاعرفه، مع أن كلام ((الفتح)) ليس نصاً في أن (باب): منون، وأن ما بعده مبتدأ، وخبر لجواز كونه بيان معنى لا إعراب، ولفظه: (باب التيمم للوجه والكفين): أي: هو الواجب المجزئ، وحينئذ فيوافق ما قلنا، فتأمل.
          ثم قال في ((الفتح)): وأتى بذلك بصيغة الجزم مع شهرة الخلاف فيه لقوة دليله؛ فإن الأحاديث الواردة في صفة التيمم، لم يصح منها سوى / حديث أبي جهيم، وعمار، وما عداهما فضعيف، أو مختلف في رفعه ووقفه، والراجح: عدم رفعه، فأما حديث أبي جهيم، فورد بذكر اليدين مجملاً، وأما حديث عمار، فورد بذكر الكفين في ((الصحيحين))، وبذكر المرفقين في السنن، وفي رواية: إلى نصف الذراع، وفي رواية: إلى الآباط، فأما رواية: المرفقين، وكذا نصف الذراع، ففيهما مقال، وأما رواية الآباط: فقال الشافعي وغيره: إن كان ذلك وقع بأمر النبي صلعم فكل تيمم صح للنبي صلعم بعده فهو ناسخ له، وإن كان وقع بغير أمره فالحجة فيما أمر به. ومما يقوي رواية ((الصحيحين)) في الاقتصار على الوجه والكفين: كون عمار كان يفتي بعد النبي صلعم بذلك، وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره، ولا سيما الصحابي المجتهد. انتهى.
          واعترضه العيني فقال: قوله: لم يصح منها سوى حديث عمار، وأبي جهيم غير مسلم؛ لأنه ذكرنا أنه روي فيه عن جابر مرفوعاً: (أن التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة للذراعين إلى المرفقين)، وأن الحاكم قال: إسناده صحيح، وأن الذهبي قال: إسناده صحيح ولا يلتفت إلى قول من يمنع صحته. فإن قلت: رواه جماعة موقوفاً، قلت: يكون أقوى، وأثبت؛ لأنه أسند من وجهين.
          وقوله: أما حديث أبي جهيم فورد بذكر اليدين مجملاً غير صحيح، ولا يطلق فيه حد الإجمال، بل هو مطلق يتناول إلى الكفين، وإلى المرفقين، وإلى ما وراء ذلك؛ ولكن رواية الدارقطني في هذا الحديث خصصته وفسرته بقوله: فمسح بوجهه وذراعيه؛ فإن قلت: هذا القائل، لم يرد الإجمال الاصطلاحي، بل أراد الإجمال اللغوي، قلت: إن كان كذلك فحديث الدارقطني أوضحه، كما ذكرنا.
          وأقول: قد أجاب في ((الانتقاض)) عن قوله: غير مسلم..إلخ فقال: هذا دفع بالصدر؛ لأنه دخل في قول ((الفتح)): وما عداهما فضعيف، أو مختلف في وقفه ورفعه، وحديث جابر من الشق الثاني.
          ولم يجب عن الباقي، ويمكن الجواب لمن تأمل.
          هذا وقد أخرج المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث: ثلاثة موقوفة، وثلاثة مرفوعة، وقد أخذ في بيانها، فقال: