إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث أبي هريرة: لا عدوى ولا صفر ولا هامة

          5770- 5771- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ) المسنديُّ قال: (حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ) الصَّنعانيُّ قال: (أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ) هو ابنُ راشد (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلم (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) ابن عبد الرَّحمن بن عوفٍ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ ) أنَّه (قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم : لَا عَدْوَى) أي: لا تجاوز العلَّة من صاحبها إلى غيره (وَلَا صَفَرَ) داءٌ يأخذ في البطنِ يزعمون أنَّه يُعدي، وقيل غير ذلك ممَّا سبق(1)[خ¦5717] (وَلَا هَامَةَ) بتخفيف الميم، لا تشاؤمَ بالبومة، ولا حياة لهامة الموتى إذ كانوا يزعمون أنَّ عظم الميتة يصيرُ هامة ويحيا ويطيرُ (فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ) لم أعرفْ اسمه: (يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَا(2) بَالُ الإِبِلِ تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ) بكسر المعجمة وبعدها موحدة فهمزة ممدودًا، جمع ظبي، أي: في النَّشاط والقوَّة والسَّلامة وصفاء‼ بدنها، وكأنَّها حالٌ من الضَّمير المستتر في خبرِ كان (فَيُخَالِطُهَا البَعِيرُ الأَجْرَبُ فَيُجْرِبُهَا) بضم أوَّله، أي: يكون سببًا لوقوع الجرب بها، كانوا يعتقدون أنَّ المريض إذا دخل في(3) الأصحَّاء أمرضَهُم فنفى صلعم ذلك وأبطلَه، فلمَّا أورد الأعرابيُّ الشُّبهة (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم ) له: (فَمَنْ(4) أَعْدَى) البعير (الأَوَّلَ) أي: ممَّن سرى(5) إليه الجرب، فإن(6) قالوا: من بعيرٍ آخرَ لزم التَّسلسل، أو قالوا: بسببٍ آخر، فعليهم أن يبيِّنوه، وإن قالوا: الفاعلُ في الأوَّل هو الفاعلُ في الثَّاني ثبتَ المدَّعى، وهو أنَّ الَّذي فعل ذلك بالجميع هو الله، فالجواب في غاية الرَّشاقة والبلاغةِ.
          (وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ) بن عبد الرَّحمن بن عوفٍ، بالسَّند السَّابق أنَّه (سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ) ☺ (بَعْدُ) أي: بعدَ أنَّ سمع منه «لا عدوى...» إلى آخره، (يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ) ولأبي ذرٍّ: ”قال(7) رسول الله“ ( صلعم : لَا يُورِدَنَّ) بكسر الراء ونون التَّأكيد الثَّقيلة (مُمْرِضٌ) بضم الميم الأولى وسكون الثَّانية وكسر الراء، بعدها ضاد معجمة، الَّذي له إبلٌ مرضى (عَلَى مُصِحٍّ) بضم الميم وكسر الصَّاد المهملة، بعدها حاء مهملة أيضًا، مَن له إبلٌ صحاحٌ؛ لا يوردنَّ إبله المريضة على إبل غيره الصَّحيحة، وجمع ابن بطَّال بين هذا والسَّابق فقال: «لا عدوى» إعلامٌ بأنَّها لا حقيقة لها، وأمَّا النَّهي فلئلَّا يتوهَّم المصحُّ أنَّ مرضها حدثَ من أجل(8) ورودِ المريض عليها، فيكون داخلًا بتوهُّمه ذلك في تصحيحِ ما أبطله النَّبيُّ صلعم ، وقيل غير ذلك (وَأَنْكَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ حَدِيثَ الأَوَّلِ) قال في «الفتح»: بالإضافة كمسجد الجامع، ولأبي ذرٍّ عن المُستملي والكُشميهنيِّ: ”الحديث الأوَّل“ ولمسلمٍ من رواية يونس، عن الزُّهريِّ عن أبي سلمة: كان أبو هريرة يحدِّثهما كليهما عن رسولِ الله صلعم ، ثمَّ صمتَ أبو هريرة بعد ذلك عن قوله: «لا عدوى» (قُلْنَا) ولأبي ذرٍّ: ”وقلنا“ (أَلَمْ تُحَدِّثْ أَنَّهُ لَا عَدْوَى) وفي رواية / يونس بنِ أبي ذُباب _بضم المعجمة، بعدها موحدتان بينهما ألف_ وهو ابن عمِّ أبي هريرة: قد كنتُ أسمعك يا أبا هريرة تحدِّثنا مع هذا(9) الحديث «لا عدوى» فأبى أن يعرفَ ذلك، وعند الإسماعيلي من رواية شعيب فقال الحارث: إنَّك حدَّثتنا فذكره، قال: فأنكر أبو هريرة وغضب وقال: لم أحدِّثك ما تقول (فَرَطَنَ) تكلَّم (بِـ)ـاللغة (الحَبَشِيَّةِ) بما لا يُفهم، وقال العينيُّ: لا رطانة بالحبشيَّة هنا حقيقةً، وإنَّما هو غضب فتكلَّم بما لا يُفهم (قَالَ(10) أَبُو سَلَمَةَ) بن عبد الرَّحمن: (فَمَا رَأَيْتُهُ) أي: أبا هريرة، وللكُشميهنيِّ: ”رأيناه“ (نَسِيَ حَدِيثًا غَيْرَهُ) وفي رواية‼ يونس قال أبو سلمة: لقد كان يحدِّثنا به، فما أدري أنسيَ أبو هريرة أمْ نَسَخ أحدُ القولين الآخر. وقال السَّفاقسيُّ: لعلَّ هذا من الأحاديث الَّتي سمعها قبل بسطِ ردائهِ ثمَّ ضمِّه إليه عند(11) فراغ النَّبيِّ صلعم من مقالتهِ في الحديث المشهور.


[1] في (د) زيادة: «أي: لا سراية للمرض من صاحبه إلى غيره».
[2] في (د): «ما».
[3] في (ب) و(س): «على».
[4] في (م): «فما».
[5] في (م): «آل»، «سرى»: ليست في (د).
[6] في (د): «فلو».
[7] «قال»: ليست في (د).
[8] في (د): «أصل».
[9] في (س): «بهذا».
[10] في (م): «وقال».
[11] في (ص): «بعد».