إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لا عدوى ولا طيرة والشؤم في ثلاث

          5753- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ) المسنديُّ قال: (حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ) ابن فارسٍ البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا يُونُسُ) بن يزيد الأيليُّ (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلم (عَنْ سَالِمٍ) أي: ابن عُمر (عَنِ ابْنِ عُمَرَ ☻ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: لَا عَدْوَى) هي هنا مُجاوزة العلَّة من صاحبها إلى غيره. يقال: أعدى فلانٌ فلانًا من علَّةٍ به، وذلك على(1) ما يذهبُ إليه‼ المتطببة في الجُذام والبرص والجُدريِّ والحصبةِ(2) والبَخر(3) والرَّمد والأمراضِ الوبائيَّة، والأكثرون على أنَّ المراد نفي ذلك وإبطاله على ما يدلُّ عليه ظاهرِ الحديث (وَلَا طِيَرَةَ) في «القاموس»: والطِّيَرَة والطِّيْرَة(4) والطُّورةُ: ما يُتَشاءم به من الفألِ الرَّديءِ. انتهى.
          ولمّا نفى الطِّيرة بطريق العُموم كما نفى العدوَى أثبت الشُّؤم في ثلاثةٍ فقال: (وَالشُّؤْمُ) بالهمزة الساكنة، ضدُّ اليُمن (فِي ثَلَاثٍ) وعند أبي داود من حديث سعدِ بن أبي وقَّاصٍ: «وإن كانت الطِّيرة في شيءٍ». وقال الخطَّابيُّ وكثيرون: هو في معنى الاستثناءِ من الطِّيرةِ، أي: الطِّيرة منهيٌّ عنها إلَّا في هذه الأشياء. قال الطِّيبيُّ: يحتملُ أن يكون الاستثناءُ على حقيقتهِ، وتكون(5) هذه الأشياءُ خارجةً عن حُكم المستَثنى منه، أي: الشُّؤم ليس إلَّا في هذه الأشياء، كما في مسلم «إنَّما الشُّؤم في ثلاثةٍ» (فِي المَرْأَةِ) بأن لا تلدَ، وأن تكون لسنَاء(6) (وَالدَّارِ) بأن تكون ضيِّقةً سيِّئة الجيران (وَالدَّابَّةِ) بأن لا يُغزى عليها. وقال القاضِي: تعقيبُ قوله: «ولا طيرة»، بهذه الشَّرطيَّة، أي: في رواية: «وإن كانت الطِّيرة» تدلُّ على أنَّ الشُّؤم أيضًا منفيٌّ عنها، والمعنى أنَّ الشُّؤم لو كان له وجودٌ في شيءٍ لكان في هذه الأشياء، فإنَّها(7) أقبلُ الأشياء لها، لكن لا وجودَ لها فيها، فلا وجودَ لها أصلًا. انتهى.
          قال في «شرح المشكاة»: فعلى هذا فالشُّؤم في الأحاديث المستشهد بها محمولٌ على الكراهيَّة(8) الَّتي سببها ما في هذه الأشياء من مخالفة الشَّرع. انتهى.
          ويُحتمل أن يكون المراد عدم موافقتهَا له طبعًا، ويؤيِّده ما في «شرح السُّنَّة» كأنَّه يقول: إنْ كان لأحدكم دارٌ يكره سُكناها، أو امرأةٌ يكره صُحبتها، أو فرسٌ لا تُعجبه، فليُفارقها بأن يَنْتَقلَ من الدَّار، ويُطلِّق المرأة، ويبيع الفرس حتَّى يزول عنه ما يجدُ في نفسه من الكَراهةِ، كما قال صلعم في جواب من قال: يا رسول الله إنَّا كنَّا في دارٍ كثيرٌ فيها عددنا... إلى آخره، «ذرُوهَا فإنَّها ذميمةٌ» فأمرهم(9) بالتَّحوُّل عنها؛ لأنَّهم كانوا فيها(10) على استثقالٍ واسْتِيحاشٍ، فأمرهم صلعم بالانتقالِ عنها ليزولَ عنهم ما يجدونَ من الكراهة لأنَّه(11) سببٌ في ذلك. انتهى.
          وحديث الباب أخرجه النَّسائيُّ في «عِشْرة النِّساء».


[1] «على»: ليست في (ص).
[2] «والحصبة»: ليست في (د).
[3] «والبخر»: ليست في (د).
[4] «والطيرة»: ليست في (م) و(د).
[5] في (ص) و(م): «تكون»، وفي (د): «فتكون».
[6] «وأن تكون لسناء»: ليست في (د).
[7] في (د): «لأنها».
[8] في (د): «الكراهة».
[9] في (د): «وأمرهم».
[10] «فيها»: ليست في (د).
[11] في (ص) و(م) و(د): «لا أنه». كذا في شرح المشكاة.