إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن كان في شيء من أدويتكم شفاء ففي شرطة محجم

          5704- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ) الطَّيالسيُّ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ بن) عبد الله بن حنظلةَ (الغَسِيلِ) الأنصاريُّ المدنيُّ قال: (حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ) بن النُّعمان، الأوسيُّ الأنصاريُّ المدنيُّ (قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا) ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ شِفَاءٌ) من الدَّاء (فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ) بكسر الميم وفتح الجيم بينهما مهملة ساكنة (أَوْ لَذْعَةٍ) بالمعجمة ثمَّ المهملة، كيَّةٍ (بِنَارٍ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ) وهل اكتوى صلعم ؟ قال الحافظُ ابن حجر: لم أرَ في أثرٍ صحيحٍ أنَّه صلعم اكتوى إلَّا أنَّ القرطبيَّ نسب إلى «كتاب أدب النُّفوس» للطَّبريِّ(1) «أنَّه صلعم اكتوى» وذكره الحَلِيْمِيُّ بلفظ روي «أنَّه صلعم اكتوى للجرحِ(2) الَّذي أصابهُ بأُحدٍ». قال الحافظُ: الثَّابتُ في الصَّحيح كما سبق في «غزوة أحدٍ» [خ¦4075] أنَّ فاطمة أحرقَت حصيرًا فحشتْ به جرحهُ، وليس هذا الكيَّ المعهودَ، وجزم السَّفاقسيُّ بأنَّه اكتوى، وعَكَسَهُ(3) ابن القيِّم في «الهدي» وفي حديثِ عمران بن حُصينٍ عند مسلمٍ أنَّه قال: «كان يسلِّم عليَّ حتَّى اكتويتُ فتركتُ الكيَّ فعاد». وعند مسلمٍ أيضًا: «إنَّ الَّذي كان انقطع عنِّي رجع إليَّ» يعني‼ تسليم الملائكةِ. وعند أحمد وأبي داود والتِّرمذيِّ عن عمران: «نهى رسولُ الله صلعم عن الكيِّ فاكتوينَا، فما أفلحنَا ولا أنجحنَا». والنَّهيُ محمولٌ على الكراهةِ، وعلى خلافِ الأولى لما تقتضيه الأحاديثُ السَّابقةُ وغيرها، أو أنَّه خاصٌّ بعمران لأنَّه كان به الباسورُ، وهو موضعٌ خطرٌ فنهاهُ عن كيِّه، فلمَّا اشتدَّ عليه كواهُ فلم ينجح، وقولُه في التَّرجمةِ: «وفضل من لم يكتو» أخذه من قوله: «وما أحبُّ أن أكتويَ» وحاصلُ ما في ذلك أنَّ الفعل يدلُّ على الجواز، وعدمهُ لا يدلُّ على المنع، بل يدلُّ على أنَّ التَّرك أرجح، ولذا أثنى على تاركهِ، والنَّهي عنه للتَّنزيه.


[1] في (م) و(د): «للطبراني».
[2] في (ص) و(م): «الجراح»، وفي (د): «للجراح».
[3] في (ص): «عليه».