إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا من السام

          5687- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ) أبو بكرٍ (ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ) نَسَبَهُ لجدِّه، واسمُ أبيهِ محمَّد، واسمُ أبي شيبةَ إبراهيم بن عثمان العبسيُّ الكوفيُّ قال: (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ) بضم العين، ابنُ موسى الكوفيُّ، من كبار مشايخِ البخاريِّ روى عنه هنا بالواسطةِ، قال: (حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ) بن يونس بنِ أبي إسحاق السَّبيعيُّ (عَنْ مَنْصُورٍ) هو ابنُ المعتمرِ (عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعْدٍ) مولى أبي مسعودٍ البدريِّ الأنصاريِّ، أنَّه (قَالَ: خَرَجْنَا وَمَعَنَا غَالِبُ بْنُ أَبْجَرَ) بفتح الهمزة وسكون الموحدة وفتح الجيم بعدها راء، غير منصرف، الصَّحابيُّ (فَمَرِضَ) غالبٌ (فِي الطَّرِيقِ فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ وَهْوَ مَرِيضٌ فَعَادَهُ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ) عبدُ الله بن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن أبي بكرٍ الصِّدِّيق، وأبو عتيق كنيةُ أبيه محمَّد‼ (فَقَالَ لَنَا) عبدُ الله بنُ محمَّد: (عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الحُبَيْبَةِ السَّوْدَاءِ) بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة مصغَّرًا، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”السُّويداء“ بضم السين مصغَّرًا (فَخُذُوا مِنْهَا خَمْسًا) من(1) حبَّاتها (أَوْ سَبْعًا، فَاسْحَقُوهَا ثُمَّ اقْطُرُوهَا فِي أَنْفِهِ بِقَطَرَاتِ زَيْتٍ فِي هَذَا الجَانِبِ، وَفِي هَذَا الجَانِبِ) من الأنفِ، وقد ذكر الأطبَّاء في علاجِ الزُّكام العارضِ معه عطاسٌ كثيرٌ أنَّه تُقْلَى الحبَّةُ السَّوداء، ثمَّ تُدَقُّ ناعمًا، ثمَّ تُنْقَعُ في زيتٍ، ثمَّ يُقْطَرُ منها في الأنفِ ثلاث قطراتٍ، فلعلَّ غالب بن أَبْجَر كان مزكومًا فلذا وصفه ابنُ أبي عتيق له، ثمَّ استدلَّ بقوله: (فَإِنَّ عَائِشَةَ) ♦ (حَدَّثَتْنِي) بالإفراد (أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صلعم يَقُولُ: إِنَّ هَذِهِ الحَبَّةَ السَّوْدَاءَ شِفَاءٌ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”إنَّ(2) في هذهِ الحبَّة السَّوداء شفاءً“ (مِنْ كُلِّ دَاءٍ) يحدثُ من الرُّطوبةِ والبرودةِ ونحوها(3) من الأمراضِ الباردة، أمَّا الحارَّة فلا، لكن قد تدخلُ في بعض الأمراضِ الحارة اليابسةِ بالعرض، فتوصِلُ قُوى الأدويةِ الرَّطبة الباردة إليها بسرعةِ تنفيذِها، واستعمالُ الحارِّ في بعض الأمراضِ الحارَّة لخاصيَّةٍ فيه لا يُستَنْكَرُ كالعَنْزَرُوْتِ فإنَّه حارٌّ، ويستعملُ في أدوية الرَّمد المركَّبةِ، مع أنَّ الرَّمد ورمٌ حارٌّ باتفاقِ الأطباءِ، وقد قال أئمةُ الطِّبِّ كابن البيطار: إنَّ طبع الحبَّة السَّوداء حارٌّ يابسٌ، وهي مُذهِبةٌ للنَّفخِ، نافعةٌ من حمَّى الرِّبْع والبلغمِ مُفَتِّحةٌ للسُّدَد والرِّيح، مجفِّفَة لبلَّة المعدةِ، وإذا دُقَّت وعُجِنت بالعسلِ، وشُربت بالماءِ الحارِّ أذابتِ الحصى وأدرَّت البولَ والطَّمث، وفيها جلاءٌ وتقطيعٌ، وإذا نُقعَ منها سبعُ حبَّات في لبن امرأةٍ وسُعِطَ به صاحبُ اليرقانِ أفادتْ، وإذا شُرِبَ منها وزنُ مثقالٍ بماءٍ(4) أفادَ من ضيقِ النَّفس، والضِّماد بها ينفعُ من الصُّداع الباردِ.
          وقال ابنُ أبي جمرة(5): تكلَّم ناسٌ في هذا الحديث وخصُّوا عمومه وردُّوه إلى قولِ أهل الطِّبِّ والتَّجربة، ولا خلافَ بغلطِ قائل ذلك لأنَّا إذا صدَّقنا أهل الطِّبِّ، ومدار علمهم غالبًا إنَّما هو على التَّجربة الَّتي بناؤها على ظنٍّ غالب، فتصديقُ من لا ينطقُ عن الهوى أولى بالقبولِ من كلامهم. انتهى.
          وقال في «الكواكب»: يحتملُ / إرادةُ العمومِ بأن يكون شفاء للجميعِ لكن بشرط تركيبهِ(6) مع غيرهِ، ولا محذورَ فيه، بل يجبُ إرادةُ العموم؛ لأنَّ جواز(7) الاستثناء معيارُ جواز(8) العمومِ، وأمَّا وقوعُ الاستثناء فهو معيارُ وقوع العمومِ فهو أمرٌ ممكنٌ، وقد أخبرَ الصَّادقُ عنه، واللَّفظُ عامٌّ بدليل الاستثناءِ فيجبُ القولُ به، وحينئذٍ فينفعُ من جميع الأدواءِ.
          (إِلَّا مِنَ السَّامِ) بالمهملة وتخفيف الميم (قُلْتُ: وَمَا السَّامُ؟ قَالَ: المَوْتُ) قال في «الفتح»: لم أعرف اسمَ(9) السَّائل ولا القائلِ، وأظنُّ السَّائل خالدَ بن سعدٍ، والمجيب ابنَ أبي عتيقٍ.
          وهذا الحديثُ أخرجه ابنُ ماجه.


[1] في غير (د): «ما».
[2] «إن»: ليست في (م).
[3] في (م) و(د): «نحوهما».
[4] «بماء»: ليست في (م).
[5] في (س): «حمزة».
[6] في (ب): «تركبه».
[7] لفظة «جواز» زيادة من (م) و(د).
[8] «جواز»: ليست في (ص).
[9] «اسم»: ليست في (د).