إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لا ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه

          5391- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الحَسَنِ) المروزيُّ قال: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ) بن المبارك المروزيُّ قال: (أَخْبَرَنَا يُونُسُ) بن يزيد (عَنِ الزُّهريِّ) محمَّد بن مسلم (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (أَبُو أُمَامَةَ) أسعد (بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ الأَنْصَارِيُّ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ) بن المغيرة المخزوميَّ (_الَّذِي يُقَالُ لَهُ: سَيْفُ اللهِ_ أَخْبَرَهُ أنَّه دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم عَلَى مَيْمُونَةَ) أمِّ المؤمنين (وَهْيَ خَالَتُهُ) أخت أمِّه لبابة الصُّغرى بنت الحارث (وَخَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ) أخت أمِّه لبابة الكُبرى (فَوَجَدَ عِنْدَهَا ضَبًّا مَحْنُوذًا) بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وضم النون آخره معجمة، مشويًّا (قَدِمَتْ) ولأبي ذرٍّ:”قد قدمت“ (بِهِ) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”بها“ (أُخْتُهَا حُفَيْدَةُ بِنْتُ الحَارِثِ) بضم الحاء المهملة وفتح الفاء، مصغَّرًا (مِنْ نَجْدٍ فَقَدَّمَتِ الضَّبَّ) وهو حيوانٌ برِّيٌّ يشبه الحِرْذَوْن(1) لكنَّه كبيرُ القدرِ، وقد ذُكِرَ أنَّه لا يشربُ الماء وأنَّه يعيشُ سبع مئة فصاعدًا (لِرَسُولِ اللهِ صلعم وَكَانَ قَلَّمَا يُقَدِّمُ يَدَهُ) الشريفة(2) (لِطَعَامٍ حَتَّى يُحَدَّثَ‼ بِهِ وَيُسَمَّى لَهُ) بفتح الدال والميم المشددتين فيهما (فَأَهْوَى) مدَّ (رَسُولُ اللهِ صلعم يَدَهُ إِلَى الضَّبِّ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ النِّسْوَةِ الحُضُورِ: أَخْبِرْنَ رَسُولَ اللهِ صلعم مَا قَدَّمْتُنَّ لَهُ هُوَ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللهِ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”أخبري“ بالإفراد بدل قولهِ: أخبرن، والنِّسوة اسمُ جمع، قاله أبو بكر ابن السَّرَّاج. وقيل: جمع تكسيرٍ من أوزانِ جموعِ القلَّة(3) لا واحدَ له من لفظهِ، ووزنه فِعْلَة، وهو أحدُ الأبنية الأربعة الَّتي هي(4) لأدنى العددِ، وقد نظمها بعضُهم في قولهِ:
بِأَفْعُلٍ وَبِأَفْعَالٍ وَأَفْعِلَةٍ                     وَفِعْلَةٍ يُعرَفُ الأَدنَى مِن العَدَدِ
وقال الزَّمخشريُّ: نسوة اسم مفردٌ لجمع المرأةِ، وتأنيثُه غير حقيقيٍّ. قال: ولذلك لا يلحقُ فعلهُ إذا أسندَ إليه تاء التَّأنيث فتقول: قال نسوة.
          وقيل: إنَّه جمع كثرةٍ فيجوزُ إلحاق العلامةِ وتركها، كما تقول: قام الهنودُ وقامتِ الهنود، وقد تضمُّ نون النِّسوة فيكون إذ ذاك اسم جمعٍ بلا خلافٍ.
          وذكر أبو البقاء أنَّه قُرئ بضمِّها في قولهِ تعالى: ▬وَقَالَ نُسْوَةٌ↨ [يوسف:30]، قال القرطبيُّ: وهي قراءةُ الأعمش والمفضَّل والسُّلميِّ. وقال غيرُه: ويكسر للكثرة(5) على نسوان، والنِّساء جمع كثرةٍ لا واحدَ له من لفظه، كذا قال أبو حيَّان، ومقتضى ذلك أن لا يكون النِّساء جمعًا لنسوة لقوله: لا واحدَ له من لفظه.
          فإن قلت: المطابقةُ بين الصِّفة والموصوف في التَّذكير والتَّأنيث مطلوبةٌ، فكيف عبَّر بجمع المذكَّر(6) في قولهِ: الحضور؟ أُجيب بأنَّه وقع باعتبار الأشخاص، أو هو مصدرٌ بمعنى: الحاضرات.
          قال في «الكواكب»: ولا يلزمُ من الإسنادِ إلى المضمرِ التَّأنيث.
          قال الجوهريُّ في قولهِ تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}[الأعراف:56]: لم يقلْ قريبةً لأنَّ ما لا يكون تأنيثهُ حقيقيًّا يجوزُ تذكيره.
          وقال السَّفاقِسيُّ: جاءَ به على معنى جمعِ النِّسوة فنعت(7) عليه كقولهِ تعالى: {مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا}[يس:80] والمرأة القائلةُ هي ميمونةُ كما عند الطَّبرانيِّ في «الأوسط» ومسلم / ولفظه: «فقالتْ ميمونة: يا رسول الله، إنَّه لحمُ ضبٍّ» (فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلعم يَدَهُ عَنِ الضَّبِّ، فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ: أَحَرَامٌ الضَّبُّ، يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ) بالعين المهملة والفاء مضارع عفتُ الشَّيء، أي: أجدُ نفسي تكرهُه، ولكن للاستدراكِ ومعناها هنا: تأكيدُ الخبر كأنَّه قال: ليس هو حرامًا(8)، قيل: لم وأنت(9) لم تأكله؟ قال: «لأنَّه لم يكن بأرضِ قومِي» والفاء في فأجدُني فاء السَّببية (قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَززْتُهُ(10)) بالجيم والزاي(11) المكرَّرة (فَأَكَلْتُهُ وَرَسُولُ اللهِ) الواو للحال، ولأبي الوقتِ: ”والنَّبيُّ“ ( صلعم يَنْظُرُ إِلَيَّ) استدلَّ به للإباحة الأئمَّة الأربعة، ورجَّحه الطَّحاويُّ في «شرح معاني الآثار» إلَّا أنَّ صاحب «الهداية» قال: يُكره لنهيهِ صلعم ‼ عائشة لمَّا سألتْه عن أكلهِ، لكنَّه ضعيفٌ لا(12) يحتجُّ بهِ.


[1] في (د): «الجرذون».
[2] في (ص) وهامش (د): «المقدَّسة»، وفي (م): «المشرفة».
[3] في (د) و(م) زيادة: «قالوا و».
[4] «هي»: ليست في (د).
[5] في (د): «في الكثرة».
[6] في (د): «المذكور».
[7] في (د): «ونعتمد».
[8] في (د): «حرام».
[9] في (د): «ولم أنت».
[10] في (م): «فاجتررته».
[11] في (م): «الراء».
[12] في (د): «فلا».