إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام

          5057- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ) العبديُّ البصريُّ، أخو سليمان بنِ كثيرٍ قال: (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) الثَّوريُّ قال: (حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ) سليمان (عَنْ خَيْثَمَةَ) بفتح الخاء المعجمة وسكون التحتية وفتح المثلثة والميم، ابنِ عبدِ الرَّحمن الكوفيِّ (عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ) بفتح الغين المعجمة والفاء واللام، أنَّه (قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ) ☺ (سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم ‼ يَقُولُ: يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ) صغارهَا (سُفَهَاءُ الأَحْلَامِ) أي: ضعفاءُ العقولِ (يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ) أي: من قولِ خير البريَّة صلعم ، فهو من المقلوبِ، أو المراد من قولِ الله؛ ليناسب التَّرجمة. قال في «شرح المشكاة»: وهو أولى؛ لأنَّ «يقولون» هنا بمعنى: يتحدَّثون أو يأخذون؛ أي: يأخذون من خيرِ ما يتكلَّم به. قال: وينصرهُ ما روي في «شرح السُّنَّة»: وكان ابنُ عمر يرى الخوارجَ شرار(1) خلقِ الله تعالى، وقال: إنَّهم انطلقوا إلى آياتٍ نزلت في الكفَّار فجعلوها على المؤمنينِ. وما ورد في حديثِ أبي سعيدٍ: «يدعونَ إلى كتابِ الله وليسوا منه في شيء» (يَمْرُقُونَ) يخرجون (مِنَ الإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ) بكسر الميم وتشديد التحتية، فعيلة بمعنى مفعولة؛ أي: الصَّيد المرمي، يريد أنَّ دخولهم في الإسلام ثمَّ خروجهم منه ولم يتمسَّكوا منه بشيءٍ كالسَّهم الَّذي دخل في الرَّميَّة، ثمَّ يخرجُ منها ولم يعلقْ به شيءٌ منها (لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ) جمعُ حَنْجَرة، وهي الحلقومُ رأس الغَلْصَمة حيثُ تراه ناتئًا من خارجِ الحلقِ؛ أي: أنَّ الإيمان لم يرسخْ في قلوبهم؛ لأنَّ ما وقف عند الحلقومِ فلم يتجاوزهُ لم يصلْ إلى القلبِ، وفي حديث حذيفة: «لا يجاوزُ تراقِيَهم ولا تعيهِ قلوبُهم» (فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ) ظرف لـ «الأجرِ» لا لـ «القتل».
          قال الخطَّابي: أجمعَ علماءُ المسلمينَ على أنَّ الخوارج على ضلالتِهم فرقةٌ من فرقِ المسلمينَ، وأجازوا مُناكحتهم، وأكلَ ذبائحهم، وقَبول شهادتهم، وسئل عليٌّ ☺ عنهم: أكفَّارٌ هم؟ فقال: من الكفرِ فرُّوا. فقيلَ: منافقون هم؟ فقال: إنَّ المنافقينَ لا يذكرونَ اللهَ إلَّا قليلًا، وهؤلاء يذكرونَ الله بكرةً وأَصيلا. قيل: من هم؟ قال: قومٌ أصابتهم فتنةٌ فعَمُوا وصَمُّوا.
          وقال الكرْمانيُّ: فإن قلتَ: من أين دلَّ الحديثُ على الجزءِ الثَّاني من التَّرجمة، وهو التأكلُ بالقرآن؟ قلتُ: لا شكَّ أنَّ القراءةَ إذا لم تكن للهِ فهي للمراياةِ(2) والتأكُّل ونحوهما.
          وهذا الحديث قد سبق بأتم من هذا في «علاماتِ النُّبوَّة» بعينِ هذا الإسناد [خ¦3611].


[1] في (ص): «شر».
[2] في (د): «للمرآة».