إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: صم ثلاثة أيام في الجمعة

          5052- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُوسَى) بنُ إسماعيلَ المنقريُّ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ) الوضَّاح بنُ عبدِ اللهِ(1) اليشكريُّ (عَنْ مُغِيرَةَ) بنِ مِقسمٍ _بكسر الميم_ الكوفيِّ (عَنْ مُجَاهِدٍ) هو: ابنُ جبرٍ (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو) بفتح العين وسكون الميم، أنَّه (قَالَ: أَنْكَحَنِي أَبِي) عمرو بنُ العاص (امْرَأَةً) هي أمُّ محمَّد بنت محميَة بنِ جَزْءٍ الزُّبيديِّ، كما عندَ ابنِ سعدٍ (ذَاتَ حَسَبٍ) شرفٍ بالآباء، وعند أحمد: أنَّها من قريشٍ، ولعلَّه كان المشير عليه بتزويجهَا، وإلَّا فقد كان عبدُ الله رجلًا كاملًا، أو قامَ عنهُ بالصَّداق (فَكَانَ(2)) عمرو (يَتَعَاهَدُ كَنَّتَهُ) بفتح الكاف والنون المشددة، زوجةَ ابنهِ (فَيَسْأَلُهَا عَنْ) شأنِ ابنه (بَعْلِهَا، فَتَقُولُ) في الجواب: (نِعْمَ الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ، لَمْ يَطَأْ لَنَا فِرَاشًا) أي: لم يضاجعنَا حتَّى يطأَ لنا فراشًا (وَلَمْ يُفَتِّشْ) بفاء مفتوحة ففوقية مكسورة(3) مشددة، ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”ولم يَغْش“ بالغين المعجمة الساكنة بعد فتح (لَنَا كَنَفًا) بفتح الكاف والنون بعدها فاء؛ أي: ساترًا (مُذْ) ولأبوي ذرٍّ والوقتِ والأَصيليِّ: ”منذ“ (أَتَيْنَاهُ) وكنَّت بذلكَ عن تركهِ لجماعِها؛ إذ عادةُ الرَّجل إدخال يدهِ في داخلِ ثوبِ زوجته. أو الكَنَف: الكنيف؛ أي: أنَّه لم يطعمْ عندها حتَّى يحتاجَ إلى موضعِ قضاءِ الحاجة، ففيه وصفها له بقيامِ اللَّيل وصومِ النَّهار مع الإشارةِ إلى عدمِ مضاجعتهَا وعدمِ أكلهِ عندها. زاد في رواية هُشيم عن مغيرة وحُصين عن مجاهد في هذا الحديث عند أحمد: فأقبلَ عليَّ يلومني، فقال‼: أنكحتكَ امرأةً من قريشٍ فعضلتَها؟ (فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ) أي: على عَمرو، وخافَ أن يلحقَ ابنَه إثمٌ بتضييعِ حقِّ الزَّوجة (ذَكَرَ) ذلك (لِلنَّبِيِّ صلعم ، فَقَالَ) صلعم لعمرو: (القَنِي) بفتح القاف وكسرها (بِهِ) أي: بابنكَ عبد الله. قال عبدُ الله(4): (فَلَقِيتُهُ) بكسر القاف، ╕ (بَعْدُ) بالبناء على الضم؛ أي: بعد ذلك (فَقَالَ) ولأبي الوقتِ: ”قال“: (كَيْفَ تَصُومُ؟ قَالَ) أي: عبدُ اللهِ، ولأبي ذرٍّ: ”قلتُ“: أصومُ (كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ) ╕ : (وَكَيْفَ(5) تَخْتِمُ) القرآن؟ (قَالَ) ولأبي ذرٍّ: ”قلتُ“: أختمُ (كُلَّ لَيْلَة. قَالَ) ╕ : (صُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةً) من الأيام(6) (وَاقْرَأ القُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ) ختمة (قَالَ) عبدُ الله: (قُلْتُ): يا رسول الله (أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ) ╕ : (صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الجُمُعَةِ. قَالَ) عبد الله: (قُلْتُ): يا رسول الله (أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: أَفْطِرْ يَوْمَيْنِ وَصُمْ يَوْمًا، قَالَ: قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) استشكلهُ الدَّاوديُّ بأنَّ ثلاثةَ أيامٍ من الجمعةِ أكثر من فطرِ يومينِ وصيام يوم، وهو إنَّما يريد تدريجهُ من الصِّيام القليلِ إلى الصِّيام الكثيرِ، وأجاب الحافظُ ابن حجرٍ باحتمال أن يكونَ وقعَ من الرَّاوي فيه تقديمٌ وتأخيرٌ (قَالَ: صُمْ أَفْضَلَ الصَّوْمِ صَوْمِ دَاوُدَ) نبيَّ الله ◙ (صِيَامَُ يَوْمٍ) نصب بتقدير: كان، أو رفع بتقدير: هو (وَإِفْطَارَُ يَوْمٍ) عطف عليه على الوجهين (وَاقْرَأْ) كلَّ القرآن (فِي كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ مَرَّةً).
          قال عبدُ اللهِ: (فَلَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللهِ صلعم وَذَاكَ أَنِّي كَبِرْتُ) بكسر الموحدة (وَضَعُفْتُ) قال مجاهد: (فَكَانَ) عبد الله / (يَقْرَأُ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ) أي: من تيسَّر منهم (السُّبْعَ مِنَ القُرْآنِ بِالنَّهَارِ) بضم السين وسكون الموحدة (وَالَّذِي يَقْرَؤُهُ) يريدُ أن يقرأه باللَّيل(7) (يَعْرِضُهُ مِنَ النَّهَارِ؛ لِيَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ بِاللَّيْلِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَقَوَّى) على الصِّيام (أَفْطَرَ أَيَّامًا وَأَحْصَى) عددَ أيَّام الإفطارِ (وَصَامَ) أيَّامًا (مِثْلَهُنَّ؛ كَرَاهِيةَ أَنْ يَتْرُكَ شَيْئًا فَارَقَ النَّبِيَّ صلعم ) بنصب «كراهيةَ» على التَّعليل؛ أي: لأجلِ كراهةِ(8) أن يترك شيئًا، و«أن» مصدريَّة.
          (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ) أي: البخاريُّ، وسقط ذلك لأبوي الوقتِ وذرٍّ وابنِ عساكرٍ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ) أي: بعض الرُّواة: اقرأه (فِي) كل (ثَلَاثٍ) من اللَّيالي (وَفِي خَمْسٍ) من اللَّيالي، ولأبي ذرٍّ: ”أو في خمس“ بزيادة ألف، ولأبي الوقتِ: ”أو في سبع“ ولعلَّ المؤلِّف أشارَ بالبعضِ إلى ما رواه شعبة عن مغيرة بهذا الإسناد: بلفظ فقال: «اقرأ القرآنَ في كلِّ شهرٍ». قال: إنِّي أطيقُ أكثرَ من ذلك، قال: فما زالَ حتَّى قال: «في ثلاثٍ». قال في «الفتح»: والخمسُ يؤخذ(9) منه بطريقِ التَّضمن.
          وفي «مسندِ الدَّارمي» من طريقِ أبي فروة عروةَ بنِ الحارثِ‼ الجهنيِّ، عن عبدِ اللهِ بن عمرو قال: قلت: يا رسول الله، في كم أختمُ القرآن؟ قال: «اختمهُ في كلِّ(10) شهر». قلتُ: إنِّي أطيقُ. قال: «اختمهُ في خمسٍ وعشرين». قلت: إنِّي أطيق. قال: «اختمه في عشرينَ». قلت: إنِّي أطيق. قال: «اختمه في خمسَ عشرة». قلت: إنِّي أطيق. قال: «اختمه في خمسٍ». قلت: إنِّي أطيق. قال: «لا».
          وفي روايةِ هشيم المذكورة قال: «فاقرأه في كلِّ شهرٍ». قلت: إنِّي أجدني أقوى من ذلك(11). قال: «فاقرأهُ في كلِّ عشرةِ أيَّام». قلت: إنِّي أجدني أقوى من ذلكَ. قال أحدهُما: إمَّا حصين وإمَّا مغيرة. قال: «فاقرأهُ في كلِّ ثلاث»، ولأبي داود والتِّرمذي مصححًا من طريقِ يزيدَ بنِ عبدِ الله بن الشِّخير، عن عبدِ اللهِ بن عَمرو مرفوعًا: «لا يفقهُ من قرأ القرآنَ في أقلَّ من ثلاثٍ». وعندَ سعيد بن منصور بإسنادٍ صحيحٍ من وجه آخر عن ابنِ مسعود: اقرؤوا القرآنَ في سبعٍ، ولا تقرؤوهُ في أقلَّ من ثلاث.
          (وَأَكْثَرُهُمْ) أي: أكثر الرُّواة (عَلَى سَبْعٍ) ولعلَّه أشار بالأكثرِ إلى ما رواهُ أبو سلمةَ بنُ عبدِ الرَّحمن، عن عبدِ اللهِ بنِ عمرو الآتية(12) إن شاء الله تعالى في الباب [خ¦5054]. قال: «فاقرأهُ في سبعٍ ولا تزد» وسقط لغير الكُشمِيهنيِّ: «وأكثرهم على سبعٍ»(13).


[1] قوله: «بن عبد الله»: ليس في (د).
[2] في (م): «وكان».
[3] «مكسورة»: ليس في (د).
[4] قوله: «قال عبد الله»: ليس في (د).
[5] في (م): «كم».
[6] في (ص) و(م): «أيام».
[7] قوله: «يريد أن يقرأه بالليل»: ليست في (د).
[8] في (ص): «كراهية».
[9] في (ب) و(س): «تؤخذ»، كذا في «الفتح».
[10] «كل»: ليست في (ص) و(س).
[11] في (م) و(د) زيادة: «قوة».
[12] في (س): «الآتي».
[13] قوله: «وسقط لغير الكشميهني وأكثرهم على سبع»: ليست في (د).