إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: مثل الذي يقرأ القرآن كالأترجة طعمها طيب

          5020- وبه قال: (حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ) بضم الهاء وسكون الدال المهملة (أَبُو خَالِدٍ) وسقطت الكنية لأبي ذرٍّ قال: (حَدَّثَنَا هَمَّامٌ) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى، ابنُ يحيى بنِ دينارٍ الشَّيبانيُّ البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا قَتَادَةُ) بنُ دعامةَ السَّدوسيُّ قال: (حَدَّثَنَا أَنَسٌ بْنُ مَالِكٍ) ثبت: ”ابنُ مالكٍ“ في رواية الأَصيليِّ (عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ) سقطَ قوله: «الأشعريِّ» لغير الأَصيليِّ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ) ويعملُ به (كَالأُتْرُجَّةِ) بضم الهمزة وسكون الفوقية وضم الراء وفتح الجيم المشددة، وتخفَّف ويزادُ قبلها نون ساكنة، وتحذف الهمزة مع الوجهين، فهي أربعةٌ، ومع التخفيف ثمانٌ (طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ) ومنظرهَا حسنٌ، وملمسهَا ليِّن، فاقعٌ لونهَا تسرُّ النَّاظرينَ، تتشوَّقُ(1) إليها النَّفس(2) قبل التَّناول، يفيدُ أكلُها _بعد الالتذاذِ بذوقها_ طيبُ نكهةٍ، ودباغُ معدةٍ، وقوَّة هضمٍ، ويستخرجُ من حبِّها دهنٌ له منافع، وحامضهَا(3) يسكِّن غلمةَ النِّساء، ويجلو اللَّون والكلَفَ، وقشرُها في الثِّياب يمنعُ السُّوس ويُتداوى بهِ، وهو مفرحٌ بالخاصيَّة. وقيل: إنَّ الجنَّ لا تقربُ البيتَ الذي فيه الأترجُّ، فناسبَ أن يمثَّل بهِ قارئُ القرآنِ(4) الَّذي لا يقربهُ الشَّيطان(5)، وغلافُ قلبهِ أبيضُ فيناسب قلبَ المؤمنِ (وَالَّذِي لَا يَقْرَأُ القُرْآنَ كَالتَّمْرَةِ) بالفوقية وسكون الميم(6) (طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ لَهَا، وَمَثَلُ الفَاجِرِ) أي: المنافق (الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ‼ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ) ونبَّه في «اليونينية» أنَّ قوله: ”ومثلُ الفاجر...“ إلى آخره ثابتٌ في أصل أبي الوقتِ، وأنَّ سقوطه غلطٌ (وَمَثَلُ الفَاجِرِ) أي: المنافق (الَّذِي لَا يَقْرَأُ القُرْآنَ: كَمَثَلِ الحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مُرٌّ وَلَا رِيحَ لَهَا).
          قال شارحُ «مشكاة المصابيح»: إنَّ هذا التَّشبيه والتَّمثيل في الحقيقةِ وصفٌ لموصوف، اشتملَ على معنًى معقولٍ صِرْفٍ، لا يُبْرزهُ عن مكنونهِ إلَّا تصويرُهُ بالمحسوسِ المشاهَدِ، ثمَّ إنَّ كلامَ الله المجيد له تأثيرٌ في باطنِ العبدِ وظاهرِه، وإنَّ العبادَ متفاوتونَ في ذلك، فمنهم من له النَّصيبُ الأوفرُ من ذلك التَّأثير وهو المؤمنُ القارئُ، ومنهم من لا نصيبَ له البتَّةَ وهو المنافقُ الحقيقيُّ، ومنهم من تأثَّر ظاهرهُ دونَ باطنه وهو المُرائي، أو بالعكس، وهو المؤمنُ الَّذي لا يقرؤه، وإبرازُ هذه المعاني وتصويرُهَا في المحسوساتِ ما(7) هو مذكورٌ في الحديثِ، ولم يجد ما يُوافقها ويلائمُها أقرب ولا أحسن ولا أجمع من ذلك؛ لأنَّ المشبَّهاتِ والمشبَّه بها واردةٌ على التَّقسيم الحاصل؛ لأنَّ النَّاس إمَّا مؤمنٌ أو غيرُ مؤمنٍ، والثَّاني: إمَّا منافقٌ صِرْف أو ملحقٌ بهِ، والأوَّل: إمَّا مواظبٌ على القراءةِ أو غيرُ مواظبٍ عليها، فعلى هذا قس الأثمارَ المشبَّه بها، ووجه التَّشبيهِ في المذكوراتِ مركَّب منتزعٌ من أمرينِ محسوسينِ: طعمٌ وريحٌ.
          ثمَّ إنَّ إثباتَ القراءةِ في قوله صلعم : «يقرأُ القرآنَ» على صيغةِ المضارع، ونفيها(8) في قوله: «لا يقرأ» ليسَ المرادُ منهما(9) حصولها مرَّة ونفيها بالكلِّيَّة، بل المرادُ منهما الاستمرارُ والدَّوامُ عليها، وأنَّ القراءة دأبهُ وعادتُه، أو ليسَ ذلك من هجِّيراهُ، كقولك(10): فلانٌ يَقْري الضَّيف ويحمِي الحريم. انتهى.
          وفي هذا الحديثِ فضيلةُ حاملِ القرآنِ، ومطابقتهُ للتَّرجمة من حيثُ ثبوتُ فضلِ قارئ القرآن على غيرهِ، فيستلزمُ فضلَ القرآنِ على سائرِ الكلامِ، كما فُضِّلَ الأترجُّ على سائرِ الفواكهِ، وفيه روايةُ تابعيٍّ عن صحابيٍّ، وصحابيٍّ عن صحابيٍّ، وهي روايةُ قتادةَ، عن أنسٍ، عن أبي موسَى، وأخرجهُ أيضًا في «التَّوحيد» [خ¦7560]، ومسلم في «الصَّلاة»، وأبو داود في «الأدبِ»، والتِّرمذيُّ في «الأمثالِ»، والنَّسائيُّ في «الوليمةِ».


[1] في (ص) و(ل): «تتوق».
[2] في (م): «تتشوَّف إليها النُّفوس».
[3] في (ص) و(م): «حماضها».
[4] قوله: «قارئ القرآن»: ليس في (د)، و«قارئ»: ليس في (ص) و(م).
[5] في (ب) و(س): «شيطان».
[6] قوله: «بالفوقيَّة وسكون الميم»: ليس في (د).
[7] زيد في (ص).
[8] في (د) و(ص) و(م): «نفيه».
[9] في (ص) و(م): «منها».
[10] في (د): «كقوله».