إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة

          5015- وبه قال: (حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ) قال: (حَدَّثَنَا أَبِي) حفصُ بنُ غياثٍ قال: (حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ) سليمانُ بنُ مهران قال: (حَدَّثَنَا / إِبْرَاهِيمُ) النَّخعيُّ (وَالضَّحَّاكُ) بالضَّاد المعجمة والحاء المهملة المشددة، ابنُ شراحيلَ، وقيل: شرحبيل (المَشْرِقِيُّ) بفتح الميم وكسر الراء في الفرع، كالدَّارقطنيِّ وابنِ ماكولا، وكذا هو عند أبي ذرٍّ، وقيَّده العسكريُّ‼ بكسر الميم وفتح الراء، نسبة إلى مشرقِ بنِ زيدِ بنِ جُشمِ بنِ حاشدٍ، بطنٌ من همدان، وقال: من فتح الميم فقد(1) صحَّف.
          قال في «الفتح»: وكأنَّه يشيرُ إلى قولِ ابنِ أبي حاتمٍ: مشرقٌ موضع، وهو بالقاف اتِّفاقًا، وبالفاء تصحيفٌ.
          كلاهما أعني: إبراهيمَ والضَّحَّاك (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ☺ ) وسقط «الخدريِّ» للأَصيليِّ(2) أنَّه (قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم لأَصْحَابِهِ: أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ) بكسر الجيم، من باب ضَرَب يَضْرِب، والهمزة للاستفهام الاستخباريِّ، في «القاموس»: والعُجُوز _بالضم_ الضَّعف، والفعل كضَرَبَ وسَمِعَ، فهو عاجزٌ، من عواجزَ(3) (أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ القُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ) ولأبوي ذرٍّ والوقتِ: ”بثلث“ بزيادة الموحدة، ولأبي ذرٍّ وحده: ”في ليلتهِ“ (فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَقَالُوا: أَيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ) ╕ : (اللهُ الوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ القُرْآنِ) وعند الإسماعيليِّ من روايةِ أبي خالدٍ الأحمر عن الأعمشِ: ”فقال: يقرأُ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} فهي ثلثُ القرآنِ“.
          قال في «الفتح»: فكأنَّ رواية الباب بالمعنى، ويحتملُ أن يكونَ بعضُ رواتهِ كان يقرؤها كذلك، كما جاءَ أنَّ عمر كان يقرأ: {اللهُ أَحَدٌ. اللهُ الصَّمَدُ} بغير قل في أولها، أو سمَّى السُّورة بهذا الاسم لاشتمالها على الصِّفتين المذكورتين، وقد قيل في معنى الثُّلث غير ما ذكرَ: أنَّ المرادَ مَن عملَ بما تضمَّنَتْه من الإخلاصِ والتَّوحيد كان كمَن قرأ ثلثَ القرآنِ.
          وقال الطِّيبي: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} في معنى لا إله إلا الله؛ لوجهين:
          أحدهما: أنَّه تعالى وحدَه هو الصَّمد المرجوعُ إليهِ في حوائجِ المخلوقاتِ، ولا صمَدَ سواهُ، ولو صوِّر سواهُ صمد لفسدَ نظامُ العوالم، ومن ثمَّ كرَّر {اللهُ} وأوقعَ {الصَّمَدُ} المعرَّف خبرًا له، وقطعهُ جملة مستأنفة على بيانِ الموجبِ.
          ثانيهما: أنَّ الله هو الأحدُ في الإلهيَّة؛ إذ لو تصوِّر غيره لكان إمَّا أن يكون فوقه فيها، وهو محالٌ، وإليه الإشارة بقوله: {لَمْ يُولَدْ (4)} أو دونه، فلا يستقيم أيضًا، وإليه لمح بقوله: {لَمْ يَلِدْ} أو مساويًا له، وهو محالٌ أيضًا، وإليه رمز بقوله: {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} ويجوز أن تكون الجملُ المنفيَّة تعليلًا للجملةِ الثَّانية المثبتةِ، كأنَّه لما قيل: هو الصَّمد المعبودُ الخالقُ الرَّازق المثيبُ المعاقبُ ولا صمدَ سواهُ؛ قيل: لِمَ كان كذلك؟ أُجيب: لأنَّه ليس فوقهُ أحدٌ يمنعه من ذلك، ولا مساوٍ يعاونه(5)، ولا دونه يستقلُّ به، وقد أخرجَ التِّرمذيُّ عن ابن عبَّاس وأنسِ بن مالكٍ قالا: قال رسولُ الله صلعم : «{إِذَا زُلْزِلَتِ} تعدلُ نصفَ القرآنِ، و{قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} تعدلُ ثلثَ القرآنِ(6)، و{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} تعدلُ ربعَ القرآنِ».
          وأخرج التِّرمذيُّ أيضًا، وابنُ أبي شيبةَ، وأبو الشَّيخ من طريقِ سلمةَ بنِ وردان‼ عن أنسٍ: «الكافرون والنَّصر تعدلُ كلٌّ منهما ربع القرآنِ، و{إِذَا زُلْزِلَتِ} تعدلُ ربعَ القرآنِ»، زاد ابنُ أبي شيبةَ وأبو الشَّيخ: «وآية الكرسيِّ تعدلُ ربعَ القرآنِ».
          قال في «الفتح»: وهو حديثٌ ضعيفٌ لضعفِ سلمة، وإنْ حسَّنه التِّرمذيُّ، فلعلَّه تساهلَ فيه لكونهِ في فضائلِ الأعمالِ، وكذا صحَّحه الحاكم من حديثِ ابن عبَّاس، وفي سندهِ يمانُ بنُ المغيرةَ، وهو ضعيفٌ عندهم. انتهى.
          وأبدى القاضِي البيضاوي الحكمةَ فقال: يحتملُ أن يقال: المقصودُ الأعظمُ بالذَّات من القرآنِ بيان المبدأ والمعادِ، و{إِذَا زُلْزِلَتِ} مقصورةٌ على ذكرِ(7) المعاد مستقلَّة ببيانِ أحوالهِ، فتعادِلُ نصفَهُ، وأمَّا ما جاء أنَّها ربعهُ فلأنَّه يشتملُ على تقريرِ التَّوحيد، والنُّبوَّات، وبيانِ أحكامِ المعاشِ، وأحوالِ المعاد، وهذه السُّورة مشتملةٌ على القسمِ الأخيرِ، وأمَّا الكافرونَ فمحتويةٌ على القسمِ الأوَّل منها؛ لأنَّ البراءة عن الشِّرك إثباتٌ للتَّوحيدِ، فيكون كلُّ واحدٍ منهما كأنَّه ربع.
          فإن قلتَ: هلَّا حملوا المعادلة على التَّسوية في الثَّواب على المقدارِ المنصوصِ عليهِ؟ أُجيب بأنَّه منعهُم من ذلك لزومُ فضلِ {إِذَا زُلْزِلَتِ} على سورةِ الإخلاص، والقولُ الجامعُ فيه ما ذكرهُ الشَّيخ التُّوْرِبِشتي ☼ في «شرح المشكاة» من قوله: نحنُ وإن سلكنَا هذا المسلك بمبلغِ علمنا نعتقدُ ونعترفُ أنَّ بيانَ ذلك على الحقيقةِ إنَّما / يتلقَّى من قبلِ الرَّسول صلوات الله وسلامه عليه، فإنَّه(8) هو الَّذي يُنتهى إليه في معرفةِ حقائقِ الأشياء والكشفِ عن خفيَّاتِ العلومِ، فأمَّا القول الَّذي نحنُ بصددهِ ونحومُ حولَه على مقدارِ فهمنا؛ فهو(9) وإن سلم من الخللِ والزَّلل لا يتعدَّى عن ضربٍ من الاحتمالِ، نقلهُ الطِّيبي في «شرح المشكاة».
          (قَالَ الفَـِرَبْرِيِّ) أبو عبدِ اللهِ محمَّد بن يوسفَ بنِ مطرِ بنِ صالحٍ: (سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرَ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي حَاتِمٍ) بالحاء المهملة والفوقية (وَرَّاقَ أَبِي عَبْدِ اللهِ) محمَّد بنِ إسماعيلَ البخاريِّ؛ أي: كاتبهُ الَّذي كان يكتب له (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ) البخاريُّ: (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) النَّخعيِّ، عن أبي سعيدٍ (مُرْسَلٌ) أي: منقطعٌ (وَعَنِ الضَّحَّاكِ المَشْرِقِيِّ) بفتح ميم «المشرقي» وكسر الراء لأبي ذرٍّ، قال اليونيني: وقد اختلفَ فيه الحفَّاظ (مُسْنَدٌ) ظاهره أنَّ المؤلِّف كان يطلق على المنقطعِ لفظ المرسل، وعلى المتَّصل لفظَ المسند، والمشهورُ في الاستعمالِ أنَّ المرسل ما يضيفه التَّابعيُّ إلى النَّبيِّ صلعم ، والمسندُ ما يضيفهُ الصَّحابي إلى النَّبيِّ صلعم ، بشرط أن يكون ظاهر الإسنادِ إليه الاتصال، وثبتَ: ”قال الفَـِرَبْرِيِّ...“ إلى آخر(10) قوله: ”أبي عبد الله“ لأبي ذرٍّ، وسقطَ لغيره «قال أبو عبد الله...» إلى آخره(11).


[1] «فقد»: ليست في (ص).
[2] قوله: «وسقط الخدري للأَصيلي»: ليست في (د).
[3] قوله: «في القاموس: والعُجوز بالضم الضعف، والفعل كضرب وسمع، فهو عاجز من عواجز»: ليس في (ص) و(د).
[4] في (م): «يلد»، كذا في شرح المشكاة.
[5] في (د): «فلا يعاونه فيها».
[6] قوله: «و{ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن»: ليس في (ص).
[7] «ذكر»: ليست في (د).
[8] في (ص): «فإنما».
[9] «فهو»: ليست في (ص) و(م) و(د).
[10] قوله: «آخر»: ليست في (ص).
[11] قوله: «وثبت قال الفربري إلى آخر قوله أبي عبد الله لأبي ذر، وسقط لغيره قال أبو عبد الله...» إلى آخره: ليست في (د).